للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فرقانًا بين الحق والباطل، وكونه ضياءً ونورا يستضاء به في ظلمات الجهل والغواية، وكونه ذكرًا، وعظةً، يتعظ بها من يتعظ، ويتذكر بها ما يجب لله من اعتقاد وعمل، وينبغي سلوكه من أدب وفضيلة، فالمراد بجمع هذه الصفات واحدٌ، وهو التوراة، وتخصيص المتقين بالذكر؛ لأنهم المستضيؤون.

والخلاصة (١): لقد آتيناهما كتابًا جامعًا لأوصافٍ كلها مدحٌ وفخار،

٤٩ - ثم ذكر أوصاف المتقين، فقال:

١ - {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} مجرور المحل، على أنه صفة مادحة للمتقين؛ أي: الذين يخافون عذابه، وهو غائب عنهم، غير مرئي لهم ومشاهد، فيعملون له تعالى. ففيه تعريض بالكفرة حيث لا يتأثرون بالإنذار ما لم يشاهدوا ما أنذروه من العذاب، فقوله: {بِالْغَيْبِ} إما حال من المفعول؛ أي: حالة كونه غائبًا عنهم، أو من الفاعل؛ أي: يخشون عذاب ربهم، حال كونهم في الخلوات منفردين عن الناس، فخشيتهم من عقاب الله لازم لقلوبهم، لا أنَّ ذلك مما يظهرونه في الملأ.

٢ - {وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ}؛ أي: من عذاب يوم القيامة، وسائر أحوالها، من الحساب والميزان {مُشْفِقُونَ}؛ أي: خائفون وجلون، فيعدلون بسبب ذلك الخوف عن معصية الله تعالى. والساعة (٢): اسم لوقتٍ تقوم فيه القيامة، سمّي بها لأنها ساعة خفية، يحدث فيها أمر عظيم، وسُمّيت الساعة ساعة، لسعيها إلى جانب الوقوع ومسافته الأنفاس، وقال الراغب: الساعة جزء من أجزاء الزمان، ويعبَّر بها عن القيامة، وسُمّيت القيامة بذلك لسرعة حسابها، وتخصيص إشفاقهم منها بالذكر بعد وصفهم بالخشية على الإطلاق، للإيذان بكونها معظم المخوفات، ونحو الآية قوله تعالى: {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}، وقوله: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.