للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي إن سنته تعالى في المنافقين في كل زمان إذا استمروا في كفرهم وعنادهم، ولم يرجعوا عما هم عليه أن يسلط عليهم أهل الإيمان, فيذلوهم ويقهروهم، وهذه السنة لا تغير ولا تبدل؛ لابتنائها على الحكمة والمصلحة، ولا يقدر غيره على تغييرها.

٦٣ - {يَسْأَلُكَ} يا محمد {النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ}؛ أي: عن وقت قيامها وحصولها، والساعة (١): جزء من أجزاء الزمان، ويعبَّر بها عن القيامة تشبيهًا بذلك لسرعة حسابها، كما قال تعالى: {وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ}.

كان المشركون يسألونه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك استعجالًا بطريق الاستهزاء والتعنت والإنكار، واليهود امتحانًا لما أن الله تعالى عمّى وقتها؛ أي: أخفاه في التوراة وسائر الكتب، وقيل: السائلون عن الساعة هنا هم أولئك المنافقون والمرجفون لَمَّا توعدوا بالعذاب .. سألوا عن الساعة استبعادًا وتكذيبًا.

{قُلْ} يا محمد جوابًا لهم {إِنَّمَا عِلْمُهَا}؛ أي: علم وقت مجيئها {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، لا يطلع عليه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، كما قال في آية أخرى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}. {وَمَا يُدْرِيكَ}؛ أي: وأيُّ شيء يجعلك داريًا وعالمًا بوقت قيامها، والاستفهام للإنكار المضمن معنى التعجب والنفي؛ أي: لا يعلمك بوقت مجيئها شيء أصلًا، فأنت لا تعرفه، وليس من شرط النبي أن يعلم الغيب بغير تعليم من الله تعالى.

{لَعَلَّ السَّاعَةَ}؛ أي: قيامها {تَكُونُ} شيئًا {قَرِيبًا}، وهو (٢) خبر {تَكُونُ} على حذف موصوف؛ أي: شيئًا قريبًا. وقيل: التقدير: قيام الساعة، فروعيت الساعة في تأنيث {تَكُونُ}، وروعي المضاف المحذوف في تذكير {قَرِيبًا}. وقيل: كثر استعمال قريبًا استعمال الظروف، فهو ظرف في موضع الخبر. اهـ.

أو {تَكُونُ} تامة، والظاهر كما عليه الجماهير أن قوله: {وَمَا يُدْرِيكَ} جملة مستقلة، وقوله: {لَعَلَّ السَّاعَةَ} جملة مستقلة أيضًا، فتأمل.

وفيه تهديد للمستعجلين، وإسكات للمتعنتين، والخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبيان أنها إذا كانت محجوبة عنه لا يعلم وقتها، وهو رسول الله .. فكيف بغيره من


(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.