للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشكر فلا يضيع سعيهم بل يزداد حسن حالهم، ولله تعالى رزق واسع في البلاد، ولا فرق فيه بين الشاكر والكفور من العباد.

فعلى (١) العاقل أن يعرف الله تعالى، ويعرف قدر النعمة، فيقيِّدها بالشكر، ولا يضع الكفر موضع الشكر، فإنه ظلم صريح يحصل منه الهلاك مطلقًا، إما للقلب بالإعراض عن الله تعالى ونسيان أن العطاء منه، وإما للقالب بالبطش الشديد، وكم رأينا في الدهر من أمثاله من خرب قلبه، ثم خرب داره، ووجد آخر الأمر بواوه، ولكن الإنسان من النسيان، لا يتذكر ولا يعتبر، بل يمضي على حاله من لغفلة، أيقظنا الله وإياكم من نوم الغفلة في كل لحظة، وشرفنا في جميع الساعات باليقظة الكاملة المحضة.

٦٠ - {وَمَا} مبتدأ متضمنة لمعنى الشرط لدخول الفاء في خبرها، بخلاف الثانية، {أُوتِيتُمْ} أي: أُعطيتم، والخطاب لكفار مكة كما في "الوسيط"، {مِنْ شَيْءٍ} من أسباب الدنيا {فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا}، أي: فهو شيء شأنه أن يُتمتع ويُتزين به أيامًا قلائل، ثم أنتم وهو إلى فناء وزوال، سمي منافع الدنيا متاعًا؛ لأنها تفنى ولا تبقى كمتاع البيت.

أي (٢): وما أُعطيتم يا معشر قريش من أسباب الدنيا كالمال والخدم فهو شيء عادته أن يُنتفع به، ويُتزين به أيام حياتكم، وقُرىء: {فمتاعًا الحياة الدنيا} بنصب الكلمتين، الأولى على المصدرية، والثانية على الظرفية؛ أي: يتمتعون متاعًا في الحياة الدنيا.

{وَمَا} موصولة؛ أي: والجزاء الذي ادُّخِر {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى، وهو الثواب {خَيْرٌ} لكم في نفسه من ذلك؛ لأنه لذة خالصة من شوائب الألم، وبهجة كاملة عارية من مسة الهمم {وَأَبْقَى} لأنه أبدي، وهذا ينقضي بسرعة؛ أي: فمنافع الآخرة لمن آمن بالله وبرسوله أعظم وأدوم مما لكم في الدنيا، فتصيب كل أحد في الآخرة بالقياس إلى منافع الدنيا كلها، كالذرة بالقياس إلى البحر، فكيف


(١) روح البيان.
(٢) فتح الرحمن.