للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الإحراق بالنار، وكذلك معنى القراءة الثانية؛ لأن الظاهر أن حرق وأحرق إنما يكون بالنار، وقد جُمع (١) بين هذه القراءات الثلاث بأنه أحرق بالنار أولًا، ثم برد بالمبرد، وفي مصحف أُبي، وابن مسعود (٢) {لنذبحنه ثم لنحرقنه ثم لننسفنه} وتوافق هذه القراءة من روى أنه صار لحمًا ودمًا ذا روح، ويترتب الإحراق بالنار على هذا، وأما إذا كان جمادًا مصوغًا من العلي فيترتب برده لا إحراقه، إلا إن عني به إذابته، وقال السدي: أمر موسى بذبح العجل، فذُبح وسال منه الدم، ثم أُحرق ونُسف رماده، وقيل: بردت عظامه بالمبرد، حتى صارت بحيث يمكن نسفها. {ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ}؛ أي: لنذرينه في هواء البحر، ونرمينه {نَسْفًا}؛ أي: ذروا ورميًا إذا كان رمادًا أو مبرودًا، بحيث لا يبقى منه عين ولا أثر، حتى صار سحالةً كذرات الهباء، يقال: نسفت الريح التراب إذا أقلعته وأزالته، وذرته، والنسف (٣): نقض الشيء ليذهب به الريح، والمنسف: ما يُنسف به الطعام، وهو شيء منصوب الصدر، أعلاه مرتفع، والنَّسَافة: ما يسقط منه.

وقرأ الجمهور (٤): {لَنَنْسِفَنَّهُ} بكسر السين، وقرأت فرقة - منهم عيسى -: بضم السين، وقرأ ابن مقسم: {لننسفنه} بضم النون الأولى وفتح الثانية وتشديد السين، ولقد بر موسى (٥) في قسمه، وفعل ما أوعده به، كما يدل على ذلك قوله: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِك} ولم يصرح بهذا تنبيهًا إلى وضوحه واستحالة خلفه في وعيده المؤكد باليمين، وفي فعله ذلك به عقوبة للسامري، وإظهار لغباوة المفتونين به، لمن له أدنى نظر،

٩٨ - وبعد أن فرغ من إبطال الباطل، شرع في تحقيق الدين الحق فقال: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ}؛ أي: معبودكم المستحق منكم العبادة؛ أي: لا معبود لشيء من الأشياء موجود {إِلَّا هُوَ} وحده من غير أن يشاركه شيء من الأشياء، بوجه من الوجوه التي من جملتها أحكام الألوهية، لا هذا العجل الذي فتنتم به؛ أي: ليس هذا بإلهكم، وإنما المستحق للعبادة والتعظيم: الله الذي لا


(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
(٥) المراغي.