فالمراد بالغفلة عدم التدبر، وهذا مؤاخذ به، فسقط ما يقال: الغفلة لا مؤاخذة بها.
والخلاصة: أنّهم كانوا يظهرون الإيمان عند كل آية من آيات العذاب، ثم يكذبون، حتى إذا انقضى الأجل المضروب لهم، انتقمنا منهم بسبب أنّهم كذبوا بها كلها، وكانوا غافلين عما يعقبها من العذاب في الدنيا والآخرة، إذ كانت في نظر الكثير منهم من قبيل السحر والصناعة، ومن ثم كانوا يكابرون أنفسهم في كل آية منها، ويحاولون أن يأتي سحرتهم وعلماؤهم بمثلها.
ومنهم من اهتدى إلى الحق وظهر له صدقه، فآمن به جهرة ككبار السحرة، ومنهم من كتم إيمانه كالذي عارض فرعون وملأه بالحجة والبرهان، في قتل موسى كما سيأتي في سورة غافر، ومنهم من جحد بها كبرا وعلوا في الأرض، كفرعون وأكابر وزرائه ورؤسائه.
١٣٧ - {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ}؛ أي: يغلبون ويذلون ويمتهنون بقتل أبنائهم، واستبقاء نسائهم، وضرب الجزية عليهم، واستعمالهم في الأعمال الشاقة لفرعون وقومه، وهم بنو إسرائيل {مَشارِقَ الْأَرْضِ} التي كانت للعمالقة أولا، التي باركنا فيها بكثرة الأشجار والثمار والأنهار فيها، وهي الشام {وَمَغارِبَهَا} التي كانت للفراعنة أولا {الَّتِي بارَكْنا فِيها} بالخصب وسعة الأرزاق، وبالنيل وهي مصر؛ أي: ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة والعمالقة وتمكنوا فيها {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى}؛ أي: نفذت كلمة الله وقضاؤه، ومضت على بني إسرائيل تامة كاملة، وأنجز لهم وعده الحسن الذي وعدهم بالنصر لهم على أعدائهم حيث قال: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} فالمراد بالكلمة: وعدهم بالنصر على عدوهم والتمكين في الأرض من بعدهم، وتمامها: إنجاز ما وعدهم به من تمكينهم في الأرض وإهلاك عدوهم، وقوله:{كَلِمَتُ رَبِّكَ} يرسم لفظ كلمت هنا بالتاء المبسوطة، وما عداها في القرآن يرسم بالهاء المربوطة على الأصل، ذكره في «الفتوحات» والحسنى صفة لكلمة، وهي تأنيث الأحسن {بِما صَبَرُوا}؛ أي: