للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشمس.

٦١ - ثم ذكر ما عَزَا بني إسرائيل من الخوف حين رؤيتهم فرعون وقومه، فقال: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ}؛ أي: فلما رأى كل من الفريقين صاحبه. وقرأ الجمهور: {تَرَاءَى} بتخفيف الهمزة مثل تراعى، وقرأ ابن وثاب والأعمش: {تراي الجمعان} بغير همز على مذهب التخفيف، وقرأ حمزة: {تريء} بكسر الراء وبمد ثم همز، وروى مثله عن عاصم، وقرىء: {تراءت الفئتان}، والصواب قراءة الجمهور؛ لأنه من باب تفاعل؛ أي: فلما رأى أحد الفريقين الآخر {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}؛ أي: ملحقون، قالوا ذلك حين رأوا العدو القوي وراءهم والبحر أمامهم، وساءت ظنونهم؛ أي: إنا لملحقون من ورائنا, ولا طاقة لنا بقوم فرعون، وهذا البحر أمامنا، لا منفذ لنا فيه. قرأ الجمهور (١): {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} بإسكان الدال اسم مفعول من أدرك، ومنه {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ}، وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير بفتح الدال مشددة وكسر الراء على وزن مفتعلون، وهو لازم بمعنى الفناء، والاضمحلال، يقال منه: أدرك الشيء بنفسه إذا فني تتابعًا، ولذلك كسرت الراء على هذه القراءة. وقال الزمخشري: إن معنى هذه القراءة: إنا لمتتابعون في الهلاك على أيديهم حتى لا يبقى منا أحد، وقال الفراء: معناهما؛ أي: معنى القراءتين واحد.

والخلاصة: أنا لمتابعون، وسنهلك على أيديهم، حتى لا يبقى منا أحد؛ لأنا قد انتهى بنا المسير إلى سيف البحر - ساحله -، وقد أدركنا فرعون وجنوده،

٦٢ - فأجابهم موسى وطمأنهم وقوى نفوسهم حيث {قَالَ} موسى عليه السلام {كَلَّا}؛ أي: ارتدعوا وانزجروا عن ذلك المقال، فإنهم لا يدركونكم فإن الله تعالى وعدكم الخلاص منهم {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} بالحفظ والنصر والرعاية والعناية {سَيَهْدِينِ}؛ أي: سيدلني إلى طريق النجاة منهم البتة.

أي: قال موسى لهم: إنه لن يصلكم شيء مما تحذرون، فإن الله هو الذي


(١) البحر المحيط.