وابنها، فإن الله سبحانه وتعالى عصمها ببركة هذه الاستعاذة.
وفي المقام إشكال قوي لم أرَ من نبَّه عليه من المفسرين، وحاصله: أن قوله: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ} معطوف على ما قبه، الواقع حيزًا لما وضعتها، فيقتضي أن طلب هذه الاستعاذة إنما وقع بعد الوضع، فلا يترتب عليه حفظ مريم من طعن الشيطان وقت نزولها وخروجها من بطن أمها، فلا يتلاقى الحديث مع الآية، بل مقتضى ظاهر الآية: أن إعاذتها من الشيطان الرجيم إنما كان بعد وضعها، وهذا لا ينافي تسلُّط الشيطان عليها بطعنها ونخسها وقت ولادتها الذي هو عادته، فإن عادته طعن المولود وقت خروجه من بطن أمه، تأمل.
قلتُ: الجواب أنه استعمل المضارع بمعنى الماضي بقرينة السياق، فكأنه قال: وإني أعذتها بك وذريتها، والله أعلم.
وفي "القرطبي": قال علماؤنا في هذا الحديث: إن الله استجاب دعاءَ أم مريم، وإن الشيطان ينخس جميع بني آدم حتى الأنبياء والأولياء إلا مريم وابنها، قال قتادة: كل مولود يطعنه الشيطان في جنبه حين يولد، غير عيسى وأمه، فإنه جعل بينهما حجاب هو المشيمة التي يكون فيها الولد، فأصابت الطعنة الحجاب، ولم ينفذ لهما منه شيء. وطعن الشيطان للأنبياء غير عيسى ليس فيه نقص لهم، ولا ينافي عصمتهم منه؛ لأنهم معصومون من وسوسته وإغوائه. والطعن من قبيل الأمراض والآلام المتعلقة بظاهر البدن، والأنبياء غير معصومين من مثل هذا، تأمل. انتهى.
٣٧ - {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ}؛ أي: تقبل الله سبحانه وتعالى مريم من أمها قبولًا حسنًا، ورضي أن تكون محررة للعبادة وخدمة بيته على صغرها وأنوثتها، وكان التحرير لا يجوز إلا لغلام عاقل قادر على خدمة البيت {وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا}؛ أي: رباها الله سبحانه وتعالى، ونماها بما يصلح أحوالها؛ كما يربي النبات في الأرض الصالحة بعد تعهد الزراع إياه بالسقي، وقلع ما يضعفه من النبات الطفيلي، وهذه التربية تشمل التربية الروحية والجسدية، فقد نمَّى جسدَها، فكانت خير لذاتها جسمًا وقوة، كما نَمَّاها صلاحًا وعفةً وسداد رأيٍ. قيل: معنى