ويطيعون شهواتهم، والمعنى: أن رؤساء الضلال أو الشياطين تبرووا ممن أطاعهم، قال الزجاج: برىء بعضهم من بعض، وصاروا أعداء، كما قال تعالى:{الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ}.
وحاصل معنى الآية: أي قال رؤساء الضلال والدعاة إلى الكفر - الذين حق عليهم غضب الله، ولزمهم الوعيد بقوله:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} فدخلوا النار -: ربنا هؤلاء الأتباع الذين أضللناهم أغويناهم باختيارهم، كما غوينا نحن كذلك، ولم يكن منا لهم إلا الوسوسة والتسويل، لا القسر والإلجاء، فهم كانوا مختارين حين أقدموا على تلك العقائد وهذه الأعمال.
وخلاصة ذلك: أن تبعة غيِّهم واقعة عليهم، لا علينا، إذ لم نلجئهم إلى ذلك، بل كان منا مجرد الوسوسة فحسب، فإن كان تسويلنا لهم داعيًا إلى الكفر فقد كان في مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان، بما وضع من الأدلة العقلية، وبعث إليهم من الرسل، وأنزل إليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد، والمواعظ والزواجر، وناهيك بذلك صارفًا عن الكفر داعيًا إلى الإيمان.
ثم زاد الجملة الأولى توكيدًا بقوله:{تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} منهم، ومما اختاروه من الكفر والمعاصي، اتباعًا لهوى أنفسهم، فلا لوم علينا في الحقيقة بسببهم، ونحو الآية {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (١٦٦)}.
ثم ذكر ما هو كالعلة لنفي الشبهة عنهم، فقال:{مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ} أي: هم ما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون الأوثان بما زينت لهم أهواؤهم،
٦٤ - ثم طلب إليهم دعاء الشركاء توبيخًا لهم وتهكمًا بهم، فقال:{وَقِيلَ} من عبد غير الله تعالى توبيخًا وتهديدًا، والقائلون الخزنة {ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ} أي: استغيثوا بآلهتكم التي كنتم تعبدونهم من دون الله في الدنيا لينصروكم ويدفعوا عنكم العذاب.
{فَدَعَوْهُمْ}؛ أي: فدعا العابدون معبوداتهم عند ذلك لشدة حيرتيهم {فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا}؛ أي: المعبودون {لَهُمْ} أي: للعابدين ولا نفعوهم بوجه من وجوه