للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

دلالة على أن البهائم تحشر كما يحشر بنو آدم. وقد ذهب إلى هذا جمع من العلماء منهم: أبو ذر، وأبو هريرة، والحسن وغيرهم، وذهب ابن عباس إلى أن حشرها: موتها، وبه قال الضحاك. والأول أرجح لهذه الآية، ولما صح في السنة المطهرة من أنه "يقاد يوم القيامة للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولقول الله تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (٥)} قال بعضهم: إن الله سبحانه وتعالى بعد توفير القصاص عليها يجعلها ترابًا، وعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا، كما رواه الحاكم عن أبي هريرة وصححه.

وقرأ (١) ابن أبي عبلة {وَلَا طَائِرٌ} بالرفع عطفًا على موضع {دَابَّةٍ}، وقرأ الأعرج وعلقمة: {مَا فَرَّطْنَا} بتخفيف الراء، والمعنى واحد.

٣٩ - {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أي: والكافرون الذين كذبوا بآياتنا المنزلة الدالة على وحدانيتنا وصدق ما جاء به رسولنا تكذيب جحودٍ واستكبارٍ، أو تكذيب جحود على تقليد الأباء {صُمٌّ} آذانهم، لا يسمعون دعوة الحق والهدى سماع قبول {بكم}؛ أي: خرس ألسنتهم، لا ينطقون بما عرفوا من الحق تائهون {فِي الظُّلُمَاتِ}؛ أي: في ظلمات الكفر والجهل والحيرة، لا يهتدون لشيء مما فيه صلاحهم، وهم يتخبطون في تلك الظلمات الحالكة: ظلمة الوثنية، وظلمة تقليد الجاهلية، وظلمة الجهل والأمية. والمعنى: هم كائنون في الظلمات التي تمنع من إبصار المبصرات، وضموا إلى الصمم والبكم عدم الانتفاع بالأبصار؛ لتراكم الظلمة عليهم، فكانت حواسهم كالمسلوبة التي لا ينتفع بها بحال.

ثم بين سبحانه وتعالى أن الأمر بيده، ما شاء يفعل، فقال: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: من تعلقت مشيئته تعالى بإضلاله {يُضْلِلْهُ} عن طريق الهدى، كما أضل هؤلاء الذين استحبوا العمى على الهدى، وإضلاله إياهم جاء على مقتضى سننه في البشر أن يُعرِض المستكبر عن دعوة من يراه دونه - وإن ظهر له أنه الحق - وأن يعرض المقلد عن النظر في الآيات والدلائل التي تنصب لبيان


(١) البحر المحيط.