للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قلت: إنَّ المراد بهذا الحكم الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن ذكره في الإنجيل ووجوب التصديق بنبوته موجود، فإذا آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - .. فقد حكموا بما في الإنجيل.

وعبارة المراغي: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ}؛ أي: (١) وقلنا لهم: ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه من الأحكام، والمراد: وأمرناهم بالعمل به، فهو كقوله في أهل التوراة {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا}، وخلاصة ذلك زجرهم عن تحريف ما في الإنجيل وتغييره، مثل ما فعل اليهود من إخفاء أحكام التوراة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} في الكتب المنزلة من عنده تعالى {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}؛ أي: المتمردون الخارجون عن الإيمان إنْ كان مستهينًا، وعن طاعة الله إنْ كان لاتباع الشهوات. والآية تدل على أن الإنجيل مشتمل على أحكام، وأن عيسى عليه السلام كان مستقلًا بشرع مأمورًا بالعمل بما فيه من الأحكام، قلت أو كثرت، لا بما في التوراة خاصة، ويشهد لذلك حديث البخاري "أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها، وأهل الإنجيل الإنجيل فعملوا ... " الحديث. وناسب (٢) هنا ذكر الفسق؛ لأنه خروج عن أمر الله تعالى إذ تقدم قوله: {وَلْيَحْكُمْ} وهو أمركما قال تعالى: {اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}؛ أي: خرج عن طاعة أمره تعالى، فقد اتضح مناسبة ختم الجملة الأولى بالكافرين، والثانية بالظالمين، والثالثة بالفاسقين.

٤٨ - وفي الحقيقة (٣): الفسق يرجع للظلم؛ لأنّه مخالفة الأمر، فتعبيره بالظلم أولًا، وبالفسق ثانيًا، تفنن. قوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ} معطوف على قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ} وما عطف عليه؛ أي: وأنزلنا إليك يا محمَّد الكتاب؛ أي: القرآن حالة كونه متلبسًا {بِالْحَقِّ} والصدق والعدل، فالجار والمجرور في محل الحال من الكتاب، أو من فاعل أنزلنا، أو من الكاف في إليك، وحالة كونك {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: لما تقدمه {مِنَ الْكِتَابِ}؛ أي: من (٤) الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه، وأنه سينزل من عند الله تعالى على عبده ورسوله


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) صاوي.
(٤) ابن كثير.