للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

محذوف معطوف على آتينا، والمعنى: وآتينا عيسى بن مريم الإنجيل وأمرناه ومن تبعه بالحكم {بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}؛ أي: في الإنجيل من الأحكام، فإنه قبل البعثة المحمدية حق، وأما بعدها فقد أمروا في غير موضع بأن يعملوا بما أنزل الله على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - في القرآن الناسخ لكل الكتب المنزلة، أو المعنى (١): وليحكم أهل الإنجيل، بما أنزل الله فيه من الدلائل الدالة على نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، ومن الأحكام التي لم تنسخ بالقرآن، فإن الحكم بالأحكام المنسوخة ليس حكمًا بما أنزل الله فيه بل هو تعطيل له، إذ هو شاهد بنسخها؛ لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة شهادة بنسخها. وقرأ الأعمش وحمزة بنصب الفعل من {يحكم} وكسر اللام، على أن اللام لام كي، والواو حينئذ للاستئناف، والسلام متعلقة بمحذوف والتقدير: وآتيناه الإنجيل ليحكم هو ومن تبعه بما أنزل فيه من الأحكام في زمانهم. وقرأ أبي (٢): {وأن ليحكم} بزيادة أن قبل لام كي، ونصب الفعل بعدها، فأن زائدة، فاللام متعلقة بمحذوف تقديره: وآتيناه الإنجيل ليحكم هو ومن تبعه بما أنزل الله فيه كما مرّ آنفًا. وقرىء (٣) أيضًا: {وأن ليحكم} بجزم الفعل على أن موصولة بالأمر كقولك: أمرتك بأن قم؛ أي: وأمرنا بأن ليحكم.

قال أهل المعاني (٤): قوله: {وَلْيَحْكُمْ} يحتمل وجهين:

أحدهما: أن يكون المعنى: وقلنا ليحكم أهل الإنجيل، فيكون هذا إخبارًا عما فرض عليهم في وقت إنزاله عليهم من الحكم بما تضمنه الإنجيل، ثم حذف القول؛ لأن ما قبله من قوله: (وكتبنا) (وقفينا) يدل عليه، وحذف القول كثير.

والوجه الثاني: أن يكون قوله (ليحكم) ابتداءً واستئنافًا، وفيه أمر للنصارى بالحكم بما في كتابهم وهو الإنجيل.

فإن قلت: فعلى هذا الوجه كيف جاز أن يؤمروا بالحكم بما في الإنجيل بعد نزول القرآن.


(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) بيضاوي.
(٤) الخازن.