ما أحل الله لكم من الحرث والأنعام، أو كلوا من هذه الأنعام وغيرها، وانتفعوا بها بسائر ضروب الانتفاع المباحة شرعا {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ}؛ أي: ولا تسلكوا السبل التي يسوّلها لكم الشيطان بتحريم الحرث والأنعام، فتحرموا ما لم يحرمه الله تعالى، فإن ذلك إغواء وإضلال منه، والله المبدع قد أباحها لكم، فليس لغيره أن يحرم أو يحلل، ولا يتعبدكم به، ويقال: لمن اتبع آخر وبالغ في التأسي به: اتبع خطواته، ولا شك أن تحريم ما أحل الله من أقبح المبالغات في اتباع إغواء الشيطان؛ لأنه اتباع له في حرمان النفس من الطيبات لا في الاستمتاع باللذات كما هو أكثر غوايته. ثم علل النهي عن اتباعه بقوله:{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}؛ أي: ظاهر العداوة، فقد أخرج آدم من الجنة، وقال:{لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}؛ أي: لا تتبعوه لأنه ظاهر العداوة بينها لا يأمر إلا بكل قبيح يسوء فعله حالا، أو استقبالا، ويأمركم بالافتراء على الله بغير علم، كما قال تعالى:{إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ}.
١٤٣ - وبعد أن ذكر سبحانه أن الأنعام؛ إما حمولة وإما فرش .. فصلها وقسمها إلى ثمانية أزواج، فإن الحمولة؛ إما إبل، وإما بقر، والفراش؛ إما ضأن، وإما معز، وكل من الأقسام الأربعة؛ إما ذكر، وإما أنثى، وكل هذا الإيضاح المحال التي تقولوها على الله تعالى بالتحريم والتحليل، ثم تبكيتهم بإظهار كذبهم وافترائهم في كل محل من هذه المحال بتوجيه الإنكار إليها مفصلة، فقال: وهو سبحانه وتعالى أنشأ لكم {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ}؛ أي: ثمانية أصناف من الأنعام أنشأ لكم {مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ}؛ أي: زوجين الكبش والنعجة، وقدم الضأن على المعز؛ لغلاء ثمنه، وطيب لحمه، وعظم الانتفاع بصوفه، والضأن ذوات الصوف من الغنم، والمعز ذوات الشعر منها. وقرأ طلحة بن مصرف والحسن وعيسى بن عمر:{من الضأَن} - بفتح الهمزة - وقرأ أبان بن عثمان:{اثنان} - بالرفع على الابتداء والخبر مقدم - {وَ} أنشأ لكم {مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ}؛ أي: زوجين التيس والعنز. وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو:{من المعَز} - بفتح العين - وقرأ باقي السبعة بسكونها، وقرأ أبي:{ومن المعزي}.