للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أي (١) قالوا: كيف نتبعك ونصدقك ونؤمن بك، ونأتسى بهؤلاء الأراذل الذين اتبعوك، ومرادهم أن هذا لن يكون أبدًا، وهذه شبهة لا ينبغي لعاقل أن يركن إليها؛ لأن نوحًا عليه السلام بعث إلى الخلق كافة، لا فارق بين غني وفقير وصعلوك وأمير، ولا بين ذوي البيوتات والحسب، وذوي الوضاعة والخسة في النسب، فليس له إلا اعتبار الظواهر دون التفتيش والبحث عن البواطن، ومن ثم أجابهم بقوله: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

وقرأ الجمهور (٢): {وَاتَّبَعَكَ} فعلًا ماضيًا، وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش وأبو حيوة والضحاك وابن السميقع وسعيد بن أبي سعيد الأنصاري وطلحة ويعقوبـ {وأتباعُك}: - بالرفع - جمع تابع كصاحب وأصحاب. وقيل: جمع تبيع كشريف وأشراف، وعن اليماني: {وأتباعِك} - بالجر - عطفًا على الضمير في {لَكَ}، وهو قليل وقاسه الكوفيون.

١١٢ - {قَالَ} نوح جوابًا عما يشير إليه قولهم من أنهم لم يؤمنوا عن نظر وبصيرة {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أنهم عملوه إخلاصًا أو نفاقًا، وما وظيفتي إلا اعتبار الظواهر، وبناء الأحكام عليها دون التفتيش عن بواطنهم، والشق عن قلوبهم، والظاهر أن {مَا} استفهامية للإنكار في محل الرفع على الابتداء، و {عِلْمِي} خبرها؛ أي: وأيّ شيء (٣) يعلمني ما كان يعمل أتباعي؟ إنما لي منهم ظاهر أمرهم دون باطنه، فمن أظهر الحسن ظننت به حسنًا، ومن أظهر السوء ظننت به ذلك، ولم أكلف العلم بأعمالهم، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان والاعتبار به، لا بالحرف والصناعات، والفقر والغنى، وهم كأنهم يقولون: إن إيمان هؤلاء لم يكن عن نظر صحيح، بل لتوقع مال ورفعة.

١١٣ - ثم أبان أن أمر جزائهم وحسابهم على ربهم، لا عليه، فلا يعنيه استقصاء أحوالهم، فقال: {إِنْ حِسَابُهُمْ}؛ أي: ما محاسبتهم على ما تحويه سرائرهم {إِلَّا


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.