للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: إن الله سبحانه خبير بهم، فيهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الإضلال لسوء استعداده وتدسيته نفسه، وله الحجة الدامغة، والحكمة البالغة، والقدرة النافذة.

ودلت الآية (١): على أن الله تعالى مطلع على العباد وأحوالهم، فلا بد من تصحيح الحال ومراقبة الأحوال، وروي أنّ نبيًّا من الأنبياء كان يتعبّد في جبل وكان في قرية عين جارية، فجاز بها فارس، وشرب منها ونسي عندها صرّة فيها ألف دينار، فجاء آخر فأخذ الصرة، ثم جاء رجل فقير على ظهره حزمة حطب، فشرب واستلقى ليستريح، فرجع الفارس لطلب الصرة فلم يرها، فأخذ الفقير فطلبها منه فلم يجدها عنده، فعذبه حتى قتله، فقال ذلك النبي: إلهي، ما هذا أخذ الصرة، بل أخذها ظالم آخر، وسلّطت هذا الظالم عليه حتى قتله، فأوحى الله تعالى إليه أن اشتغل بعبادتك، فليس معرفة مثل هذا من شأنك، إن هذا الفقير قد قتل أبا الفارس، فمكّنته من القصاص، وأنّ أبا الفارس قد كان أخذ ألف دينار من مال آخذ الصرة فرددته إليه من تركته، ذكره الغزالي - رحمه الله تعالى -.

٤٥ - ثم أخبر سبحانه أنه قد كانت النصرة له والهلاك لعدوة، فقال: {فَوَقَاهُ الله} سبحانه وتعالى؛ أي: فوّض ذلك المؤمن أمره إلى الله تعالى، فوقاه الله تعالى؛ أي: حفظه الله سبحانه وتعالى {سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا}؛ أي: حفظه الله تعالى من شدائد مكرهم، وما همُّوا به من إلحاق أنواع العذاب بمن خالفهم؛ أي: حفظه الله مما أرادوا به من المكر السيء في الدنيا، إذ نجّاه مع موسى عليه السلام، وفي الآخرة بإدخاله دار النعيم. {وَحَاقَ}؛ أي: أحاط ونزل بـ {آلِ فِرْعَوْنَ} وقومه {سُوءُ الْعَذَابِ}؛ أي: العذاب السيء في الدنيا بالغرق في اليم.

والمراد بآل فرعون: فرعون وقومه، وترك التصريح به (٢) للاستغناء بذكرهم عن ذكره؛ لكونه أولى منهم بذلك من حيث كونه متبوعًا لهم، ورئيسًا ضالًا، أو المراد بآل فرعون: نفسه، والأول أولى، وفي هذا إيماء إلى أنهم قصدوا بالسوء، وقد روي عن ابن عباس أنه لما ظهر إيمانه .. قصد فرعون قتله فهرب ونجا، وهذا عذابهم في الدنيا.


(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.