وتصعد الأجزاء المائية من أعماق الأرض الرطبة، أو من البحار والأنهار إلى جو الهواء، فتنعقد سحابًا فتمطرنا، فالإنزال من المعصرات حقيقة، ومن السماء مجاز باعتبار السببية، والله مسبب الأسباب.
والمعنى: أي وأنزلنا من السحاب والغيوم التي تتحلب بالمطر ماء كثير السيلان، عظيم الانصباب،
١٥ - ثم بين عظيم نفع الماء وجليل فائدته فقال:{لِنُخْرِجَ بِهِ}؛ أي: بذلك الماء؛ أي: بسبب وصوله إلى الأرض، واختلاطه بها وبما فيها، وهذه اللام لام المصلحة، لا لام الغرض، كما تقول المعتزلة.
{حَبًّا} كثيرًا يقتات به؛ أي: يكون قوتًا للإنسان، وهو ما يقوم به بدنه؛ كالحنطة والشعير والذرة والطيف ونحوها، {وَنَبَاتًا} كثيرًا يعتلف به؛ أي يكون علفًا للدواب؛ كالحشيش والبرسيم ونحوهما، كما قال تعالى:{كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} وتقديم الحب مع تأخره عن النبات في الإخراج لأصالته وشرفه؛ لأن غالبه غذاء الناس.
١٦ - {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦)}؛ أي: بساتين ملتفًّا بعضها ببعض، لتشعب أغصانها، أي: أخرجناها ليتفكه بها الإنسان، والجنات: جمع جنة، والجنة في الأصل: هي السترة من مصدر جنه إذا ستره، تطلق على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه، وعلى الأرض ذات الشجر.
قال الفراء: الجنة: ما فيه النخل، والفردوس: ما فيه الكرم، والمراد هنا: هو الأشجار لا الأرض، وقوله:{أَلْفَافًا}؛ أي: ملتفةً تداخل بعضها في بعض، وهذا من محسنات الجنان، كما نرى في بساتين الدنيا، قالوا: ولا واحد للألفاف كالأوزاع والأخياف، والأوزاع: بمعنى الجماعات المتفرقة كالأخياف، فإنه أيضًا بمعنى الجماعات المتفرقة المختلطة، ومنه الأخياف للإخوة من آباء شتى، وأمهم واحدة، وقيل: جمع لف بكسر اللام ككن وأكنان، وقيل: جمع لفيف كشريف وأشراف، وقيل: جمع لف بضم اللام جمع لفاء كخضر وخضراء، فيكون ألفافًا جمع الجمع، وقيل: جمع ملتفة بحذف الزوائد.
والمعنى: أي وأنزلنا من السحاب ماءً كثيرًا، لنبدل بوساطته جدب الأرض