عليه، وليس المراد أنهم أحدثوا تكذيبه بعد أن لم يكن؛ أي: فأصروا على تكذيبه بعد أن أقام عليهم الحجة، بقوله وعمله على حقيقة دعوته {فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ}؛ أي: فنجينا نوحًا ومن آمن معه، وأجاب دعوته وصار على دينه في السفينة التي كان صنعها بأمرنا؛ أي: أعقبنا تكذيبه النجاة له ولمن معه، وكانوا أربعين رجلًا وأربعين امرأة. {وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ}؛ أي وجعلنا الذين نجيناهم مع نوح في السفينة خلائف في الأرض، التي كانت للمهلكين بالغرق من قومه، الذين كذبوه بعد أن أنذرناهم فأغرقناهم، وحقت عليهم كلمة ربك يسكنونها. ويخلفونهم فيها. والخلائف، جمع خليفة، كصحائف جمع صحيفة. {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أي: بدلائل قدرتنا التكوينية والتنزيلية، من الكفار المعاندين لنوح عليه السلام، الذين لم يؤمنوا به، أغرقهم الله تعالى، بالطوفان، وإنما أخر ذكره وقدم الإنجاء، إشارةً إلى أن الرحمة سابقة على الغضب، لتعجيل المسرة لمن يمتثل الأمر ذكره "الصاوي". وفي هذا (١) الإخبار توعد للكفار بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وضرب مثال لهم، في أنهم بحال هؤلاء من التكذيب، فسيكون حالهم كحالهم في التعذيب {فَانْظُرْ} أيها الرسول، بعين بصيرتك وعقلك {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ}؛ أي: على أي حالةٍ كانت عاقبة الذين أنذرهم رسولهم وقوع عذاب الله بهم، وأصروا على تكذيبه، وكيف صار آخر أمرهم، وهكذا عاقبة من يصرون على تكذيبك من قومك؛ وعاقبة المؤمنين المتقين لك.
وقيل: الخطاب في {فَانْظُرْ} للسامع لهذه القصة، وفي ذلك تعظيم لما جرى عليهم وتحذير لمن أنذرهم الرسول، وتسلية له، - صلى الله عليه وسلم -، وتهديد للمشركين وتهويل عليهم
٧٤ - {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: ثم أرسلنا من بعد نوح عليه السلام {رُسُلًا} مثله كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب {إِلَى قَوْمِهِمْ}؛ أي: إلى أقوامهم الذين كانوا مثل قومه، في تكذيب رسلهم، فقد أرسل هود إلى عاد وصالح إلى ثمود، ولم يرسل رسول منهم إلى كل الأقوام، الذين كانوا في زمانه، إلا شعيبًا، فإنه أرسل إلى قومه، أهل مدين وإلى جيرانهم، أصحاب