كَرَّةً}؛ أي: رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بالنصب بأن المضمرة بعد الفاء السببية الواقعة في جواب التمني، فلو هنا للتمني، وأقيم فيه {لَوْ} مقام ليت؛ لتلاقيها في معنى التقدير: أي: تقدير المعدوم وفرضه؛ أي: فليت لنا رجعة إلى الدنيا فنعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل حتى إذا متنا وبعثنا مرة أخرى لا ينالنا من العذاب مثل ما نحن فيه.
وهذا كلام التأسف والتحسر، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، فإن من يضلل الله فما له من هاد، ولو رجع إلى الدنيا مرارًا، ألا ترى إلى الأمم في الدنيا، فإن الله تعالى أخذهم بالبأساء والضراء كرارًا،
١٠٣ - ثم كشفه عنهم فلم يزيدوا إلا إصرارًا، جعلنا الله وإياكم من المستمعين المعتبرين، لا من المعرضين الغافلين {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: فيما ذكر من قصة إبراهيم مع قومه {لَآيَةً}؛ أي: لعبرة لمن يعبد غير الله تعالى، ليعلم أنه يتبرأ منه في الآخرة، ولا ينفعه أحد، ولا سيما لأهل مكة الذين يدعون أنهم على ملة إبراهيم {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ}؛ أي: أكثر قوم إبراهيم مؤمنين كحال أكثر قريش، وقد روي أنه ما آمن لإبراهيم من أهل بابل إلا لوط وابنه نمرود، أو أكثر هؤلاء الذين يتلو عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبأ إبراهيم؛ وهم قريش ومن دان بدينهم، وهذا أصح؛ لأن قوم إبراهيم كلهم غير مؤمنين، كذا قاله الشوكاني.
والمعنى: أي إن في محاجة إبراهيم لقومه وإقامة الحجة عليهم في التوحيد لآية واضحة جلية على أنه تعالى لا رب غيره، ولا معبود سواه، ومع كل هذا ما آمن به أكثرهم، وفي هذا تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما يجده من تكذيب قومه له مع ظهور الآيات وعظيم المعجزات.
١٠٤ - {وَإِنَّ رَبَّكَ} المحسن إليهم بإرسالك لهدايتهم {لَهُوَ الْعَزِيزُ}؛ أي: لهو القادر على الانتقام منهم {الرَّحِيمُ} بهم؛ إذ لم يهلكهم، بل أخر ذلك، وأرسل إليهم الرسل، ونصب لهم الشرائع ليؤمنوا بها هم أو ذريتهم.