فرعون بآيات الله تعالى للإيذان بوضوح حاله، فكأنَّ كُفْرَه وأمرُ ملأه بذلك محقق الوجود، غير محتاج إلى الذكر صريحًا، وإنما المحتاج إلى ذلك شأن ملأه المترددين بين هاد إلى الحق، وداعٍ إلى الضلال فقوله:{فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} معطوف على مقدر؛ أي: فكفَر بها فرعونُ، وأمرهم بالكفر، فاتبعوا أمر فرعون؛ أي: أطاعوه. وإيراد (الفاء) للإشعار بمسارعتهم إلى الاتباع، فكأنه لم يَتَراخَ من الإرسال، والتبليغ بل وَقَعَا في وقت واحد. {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ}؛ أي: وما شأنه وتصرفه {بِرَشِيدٍ}؛ أي: بصالح حميد العاقبة، بل هو محض غيٍّ وضلالٍ، وظلم، وفساد، لغروره بنفسه، وكفرانه بربه، وطغيانه في حكمه، فإنه كان دهريًّا نافيًا للصانع والمعاد، وكان يقول: لا إله للعالم، وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم، وعبوديته رعايةً لمصلحة العالَم.
٩٨ - {يَقْدُمُ قَوْمَهُ}؛ أي: يتقدم فرعون قومه وأتباعه من الأشراف وغيرهم {يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، ويكونون تَبَعًا له كما كانوا تَابِعينَ له في الدنيا إلا مَنْ آمنَ {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}؛ أي: فيوردهم النارَ معه، ويُدْخِلُهم جَهنَّمَ. وقد وَرَدَ أن آله يعرضون على النار منذ ماتوا صباحًا ومساءً من كل يوم كما قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)}؛ أي: إن فرعونَ كان قُدوةً لقومه في الضلال، وفي دخول البحر، والغرق في الدنيا، فكذلك يتقدَّمهُم في الآخرة في دخول النار والحرق. وعَبَّر بصيغة الماضي في قوله:{فَأَوْرَدَهُمُ} للدلالة على تحقق الوقوع، لا محالةَ؛ لأنَّ الماضِيَ متيقن الوجود {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ}؛ أي: وبئس المَدْخَلُ المدخول فيه، والمَشْربُ الذي يشرب منه، والمخصوص بالذمِّ النارُ؛ لأنَّ واردَ الماء إنما يَرِدُه لِتبريد كبدِهِ، وإطفاء غُلَّتِهِ مِنْ حَرِّ الظمأ، ووارد النار يحترق فيها احتراقًا.
واعلم (١): أن الورودَ عبارة عن المجيء إلى الماء، والإيراد إحضار الغير، والمورود الماء فشبه فرعونَ بالفارط الذي يتقدم الواردَ إلى الماء، وأتباعَه بالواردة،