للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مبدلين".

٨٤ - {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) أي: جاهًا وحسن صيت في الدينا يبقى أثره إلى يوم الدين، ولذلك ما من أمة إلّا وهم محبون له، مثنون عليه، فحصل بالأول الجاه، وبالثاني حسن الذكر، فقوله: "في الآخرين"؛ أي: في الأمم بعدي، وعبّر عن الثناء الحسن والقبول العام باللسان؛ لكون اللسان سببًا في ظهوره وانتشاره، وبقاء الذكر الجميل على ألسنة العباد إلى آخر الدهر دولة عظيمة من حيث كونه دليلًا على رضي الله عنه، ومحبته له، والله تعالى إذا أحب عبدًا يلقي محبته إلى أهل السموات والأرض، فيحبه الخلائق كافة حتى الحيتان في البحر، والطيور في الهواء.

وحاصل معنى: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ ...} إلخ؛ أي (١): واجعل لي جاهًا وذكرًا جميلًا باقيًا إلى يوم الدين، فإن من صار ممدوحًا بين الناس بسبب ما عنده من الفضائل يصير داعيًا لغيره إلى اكتساب مثل تلك الفضائل، فيكون له مثل أجورهم، أو المعنى: اجعل لي من ذريتي في آخر الزمان من يكون داعيًا إلى الله تعالى، وقد أجاب الله دعاءه، فما من أمة إلّا وهي تثني عليه، وجعله الله تعالى شجرة فرّع الله منها الأنبياء.

٨٥ - ولما طلب عليه السلام سعادة الدنيا بهذه الدعوة .. طلب سعادة الأخرة، فقال: {وَاجْعَلْنِي} في الآخرة وارثًا {مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ}، أو اجعلني بعض الذين يرثون جنة النعيم، شبّه (٢) الجنة التي استحقها العامل بعد فناء عمله وانقطاعه بالميراث الذي استحقه الوارث بعد فناء مورّثه وموته، فأطلق عليها اسم الميراث، وعلى استحقاقها اسم الوارثة، وعلى العامل اسم الوارث، والمعنى: واجعلني من المستحقين لجنة النعيم، والمتمتعين بها كما يستحق الوارث مال مورثه، ويمتع به، أو واجعلني ممن يدخلون الجنة (٣)، ويتمتعون بنعيمها كما


(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.