للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السادس: ليقدّر قدرها، إذ كل ممنوع عزيز.

السابع: إنما منعها رحمة بالعباد؛ لما جبلوا عليه في هذه الدار من الغيرة، إذ لو رآه أحد تصدّع قلبه من رؤية غيره إياه، كما تصدّع الجبل غيرة من أن يراه موسى. والله أعلم.

٥٧ - {وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ} هذا هو الإنعام السابع؛ أي: جعلنا السحاب الرقيق ظلا عليكم، يحفظكم من حر الشمس، وكان يسير بسيرهم، وكانوا يسيرون ليلا ونهارا، وذلك في التيه، وهو: واد بين الشام ومصر وقدره تسعة فراسخ، وقيل: اثنا عشر فرسخا، مكثوا فيه أربعين سنة متحيرين، لا يهتدون إلى الخروج منه، وسبب ذلك؛ مخالفتهم أمر الله تعالى إياهم بقتال الجبارين الذين كانوا بالشام؛ أي: جعلنا (١) الغمام ظلّة عليكم يا بني إسرائيل. وهذا كما ذكرنا جرى في التيه، واد بين مصر والشام، فإنهم حين خرجوا من مصر وجاوزوا البحر، وقعوا في صحراء لا أبنية فيها، وأمرهم الله تعالى بدخول مدينة الجبّارين، الذين كانوا في الشام وقتالهم، فقبلوا أمره، فلما قربوا منها سمعوا بأنّ أهلها جبارون أشدّاء، قامة أحدهم سبعمائة ذراع، ونحوها، فامتنعوا، وقالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ} فعاقبهم الله تعالى، بأن يتيهوا في الأرض أربعين سنة، وكانت المفازة يعني: التيه، اثني عشر فرسخا، فأصابهم حرّ شديد، وجوع مفرط، فشكوا إلى موسى، فرحمهم الله تعالى، فأنزل عليهم عمودا من نور يدلى له من السماء، فيسير معهم بالليل يضيىء لهم مكان القمر إذا لم يكن قمر، وأرسل غماما أبيض رقيقا. أطيب من غمام المطر، يظللهم من حر الشمس في النهار. وسمّي السحاب غماما؛ لأنه يغمّ السماء؛ أي: يسترها. والغمّ: حزن يستر القلب. ولم يكن لهم في التيه شيء يسترهم، ويستظلّون به، وكانت ثيابهم لا تتسخ، ولا تبلى، ثم سألوا موسى الطعام، فدعا ربه فاستجاب له، وهو قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ}؛ أي: الترنجبين بفتح


(١) روح البيان.