للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٧٦ - ولمّا ذكر تعالى قصة إبراهيم، وهو أبو العرب، وتنجيته من أعدائه، ذكر قصة أبي العالم الأنسي كلهم، وهو الأب الثاني لآدم؛ لأنه ليس أحد إلّا من نسله، من سام وحام ويافث، فقال: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى}؛ أي: واذكر أيها الرسول الكريم نوحًا؛ أي: قصة نوح إذ نادى ودعا ربه بالهلاك، على قومه حين كذبوه؛ أي: اذكر نبأه، الواقع حين دعائه على قومه بالهلاك {مِنْ قَبْلُ}؛ أي: من قبل هؤلاء المذكورين {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} دعاءه الذي هو قوله: "إني مغلوب فانتصر"؛ أي: أجبنا له دعاءه بإهلاك قومه {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} المؤمنين به {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}؛ أي (١): من الغم العظيم، الذي كانوا فيه من أذى قومه، أو من الغرق بالطوفان.

والمعنى (٢): أي واذكر أيها الرسول نبأ نوح، إذ نادى ربه من قبلك، ومن قبل هؤلاء المذكورين، فسألنا أن نهلك قومه، الذين كذبوا الله، فيما توعدهم به من وعيده، وكذبوه فيما آتاهم به، من الحق عند ربه، فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} وقال: {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} فاستجبنا له دعاءه، ونجيناه وأهل الإيمان من أولاده وأزواجهم، ومن قومه مما حل بالمكذبين من الغرق.

روى أنه بعث وهو ابن الأربعين، ومكث في قومه ألف سنة إلّا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، فذلك ألف وخمسون سنة. كذا في "التحبير".

٧٧ - {وَنَصَرْنَاهُ}؛ أي: ونصرنا نوحًا نصرًا مستتبعًا للانتقام والانتصار، ولذلك عدي بمن حيث قال: {مِنَ الْقَوْمِ}؛ أي: انتقمنا له من القوم {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا}؛ أي: بحججنا وأدلتنا كلها أولًا وآخرًا. وقيل: من بمعنى على؛ أي نصرناه على القوم الذين كذبوا بآياتنا، قاله أبو عبيدة. وقيل: معنى نصرناه؛ أي: حفظناه من أن يصلوا (٣) إليه بسوء مع طول مكثه فيهم.


(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.