للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألوانه. فحذف {كثير} لدلالة الأول عليه، ففيه اكتفاء، ويقال: نطق القرآن بعشرة أشربة في الجنة منها: الخمر الجارية من العيون وفي الأنهار، ومنها: العسل واللبن وغيرهما. ولا شك أن الأذواق المعنوية في الدنيا متنوعة، ومقتضاه تنوع التجليات الواقعة في الجنة، سواء كانت تجليات شرابية أو غيرها.

والمعنى (١): أي والمآب الحسن، هو جنات استقرار وإقامة، وأبوابها فتحت إكراما لهم، وفي هذا إيماء إلى وصفها بالسعة، وقرة العيون فيها، ومشاهدة أحوالها التي تسر الناظرين، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم ذكر سبحانه ما يدل على مقدار أمنهم فيها، وتنعمهم بنعيمها، فقال: متكئين فيها يدعون فيها بألوان كثيرة من الفاكهة والشراب وهم متكئون على الأرائك، وإنما (٢) خص الشراب، والفاكهة من بين ما يتنعم به فيها؛ لأن بلاد العرب قليلة الفواكه والأشربة، فالنفس إليها أشوق، وفي ذكرها أرغب، كما أن في ذلك إيماء، إلى أن مطاعمهم لمحض التفكه، والتلذذ دون التغذي؛ لأنه إنما يكون لتحصيل بدل المتحلل، ولا تحلل فيها كما مر قريبًا.

٥٢ - وبعد أن وصف المسكن، والمأكول، والمشروب وصف الأزواج، فقال: {وَعِنْدَهُمْ}؛ أي: وعند المتقين في الجنة أزواج {قاصِراتُ الطَّرْفِ} وحابسات النظر عليهم؛ أي: زوجات قصرن طرفهن؛ أي: نظرهن على أزواجهن، لا ينظرن إلى غيرهم. قال في «كشف الأسرار»: هذا كقولهم: فلانة عند فلان؛ أي: زوجته {أَتْرابٌ}؛ أي (٣): متحدات في السن أو متساويات في الحسن، قال مجاهد: معنى أتراب: إنهن متواخيات لا يتباغضن، ولا يتغايرن، وقيل: أتراب للأزواج؛ أي: أقران لهم، والأتراب: جمع ترب، كما سيأتي، واشتقاقه من التراب؛ لأنه يمسهن في وقت واحد، لاتحاد مولدهن.

والمعنى: لدات أقران ينشأن معًا، تشبيهًا في التساوي، والتماثل بالترائب


(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.