للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم علل سبحانه ذلك بقوله: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ}؛ أي: أصحاب عمل سيء من الشرك والمعاصي {فَأَغْرَقْنَاهُمْ} بالطوفان {أَجْمَعِينَ}؛ أي: كلهم، فلم نترك منهم أحدا، بل أغرقنا كبيرهم وصغيرهم لإصرارهم على تكذيب الحق، ولانهماكهم في الشر والفساد، فإنه لم يجتمع الإصرار على التكذيب والانهماك في الشر والفساد في قوم .. إلّا أهلكهم الله تعالى. وهذا بيان للوجه الذي خلصه الله منهم به.

والمعنى: أي لأنهم كانوا يسيئون الأعمال فيعصون الله، ويخالفون أوامره ويتصدون لأذى نبيهم، ويتواصون جيلاً بعد جيل، بمخالفة أمره، ورفع راية العصيان في وجهه.

٧٨ - {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ}؛ أي: واذكر أيها الرسول نبأ داود وسليمان وقصتهما {إِذْ يَحْكُمَانِ فِي} شأن {الْحَرْثِ} والزرع. قيل: كان زرعاً. وقيل: كرمًا. واسم الحرث يطلق عليهما {إِذْ نَفَشَتْ} وانتشرت وتفرقت ورعت. ظرف للحكم {فِيهِ}؛ أي: في ذلك الزرع {غَنَمُ الْقَوْمِ} ليلا ترعى بلا راع، فرعته وأفسدته، فإن النفش أن ينتشر الغنم ليلًا بلا راع. والغنم محركة، الشاة، لا واحد لها من لفظها. الواحدة شاة، كما سيأتي في مبحث التصريف {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ}؛ أي: لحكم (١) داود وسليمان، فذكرهما بلفظ الجمع؛ لأن الاثنين جمع، كذا قاله الفراء، وفيه دليل لمن يقول، بأن أقل الجمع اثنان. وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ} على التثنية، أو المعنى لحكمهم؛ أي: لحكم الحاكمين والمتحاكمين إليهما، قاله أبو سليمان الدمشقي {شَاهِدِينَ}؛ أي: حاضرين غير غائبين؛ أي: كان ذلك بعلمنا ومرأى منا، لا يخفى علينا من أمرهم شيء.

فإن قيل (٢): كيف يجوز أن يجعل الضمير لمجموع الحاكمين، والمتحاكمين، وهو يستلزم إضافة المصدر إلى فاعله ومفعوله دفعةً واحدةً، وهو


(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.