للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من ذلك. وقرأ الحسن وزيد بن علي والجراح والحسن بن عمران وأبو واقد: {فطاوعته} على أن فاعل بمعنى فعل، {فَأَصْبَحَ}؛ أي: صار قابيل بقتل أخيه هابيل {مِنَ الْخَاسِرِينَ} دينًا ودنيا؛ لأنه أسخط والديه، وبقي مذمومًا إلى يوم القيامة؛ ولأن له عقابًا عظيمًا في الآخرة؛ أي: كان من الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة، فهو في الدنيا قد قتل أبو الناس به، وهو الأخ المتقي الصالح، وخسر في الآخرة؛ لأنَّه لم يصر أهلًا لنعيمها الذي أعد للمتقين.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنَّه أول من سن القتل". متفق عليه.

٣١ - قال أصحاب الأخبار (١): لما قتل قابيل هابيل تركه بالعراء - الفضاء الذي لا يستتر فيه شيء - ولم يدر ما يصنع به؛ لأنَّه أول ميت من بني آدم على وجه الأرض، فقصدته السباع لتأكله، فحمله قابيل على ظهره في جراب أربعين يومًا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سنة حتى أروح وأنتن، فأراد الله أن يري قابيل سنته في موتى بني آدم في الدفن، فبعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه حفيرة، ثم ألقاه فيها، وواراه بالتراب، وقابيل ينظر، فذلك قوله تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى وهيج وأظهر له {غُرَابًا يَبْحَثُ} ويحفر {فِي الْأَرْضِ} حفيرة بمنقاره ورجليه بعد قتل صاحبه، ثم ألقاه فيها، وأثار التراب عليه، فتعلم قابيل ذلك من الغراب، واللام في قوله: {لِيُرِيَهُ} إمَّا (٢) متعلقة بـ {بعث} حتمًا والضمير المستكن فيه عائد إلى الله تعالى؛ أي: بعث الله سبحانه وتعالى الغراب ليري الله سبحانه القاتل قابيل {كَيْفَ يُوَارِي} ويستر ذلك القاتل {سَوْءَةَ أَخِيهِ}؛ أي: جيفة أخيه المقتول، أو متعلقة بـ {يبحث}، أو بـ {بعث}، والضمير راجع للغراب؛ أي: غرابًا يبحث في الأرض ليري ذلك الغراب القاتل كيف يواري سوأة أخيه، و {كيف} حال من ضمير يواري العائد


(١) الخازن.
(٢) المراح.