للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إلى قابيل، كالضميرين البارزين، وهو معمول ليواري، وجملة الاستفهام معلقة للرؤية البصرية، أو العرفانية المتعدية لمفعول واحد قبل تعديتها بهمزة النقل وبعده لاثنين، وحينئذ فـ {كيف} في محل المفعول الثاني سادة مسده، والمراد بالسوأة الجسد لقبحه بعد موته.

وفي الآية إيماء إلى أنَّ الإنسان قد يستفيد من تجارب ما سواه، ولمَّا كان (١) الإنسان في أعماله موكولًا إلى كسبه واختياره، وكان هذا القتل أول قتل وقع من بني آدم، لم يعرف القاتل كيف يواري جثة أخيه المقتول الذي يسؤوه أن يراها بارزة للعيان، وفي ذلك دلالة على أن الإنسان في نشأته الأولى كان ساذجًا قليل المعرفة، لكن لما فيه من الاستعداد والعقل، كان يستفيد من كل شيء علمًا، واختبارًا، وتنمية لمعارفه وعلومه، وقد أعلمنا الله سبحانه وتعالى أنَّ القاتل تعلم دفن أخيه من الغراب، فإنَّه تعالى بعث غرابًا إلى ذلك المكان الذي هو فيه، فبحث في الأرض؛ أي: حفر برجليه فيها يفتش عن شيء كالطعام ونحوه، فأحدث حفرة في الأرض، فلما رآها القاتل - وقد كان متحيرًا في مواراة أخيه - زالت الحيرة عنه، واهتدى إلى دفنه في حفرة مثلها.

وقوله: {لِيُرِيَهُ}؛ أي: أنَّه تعالى ألهم الغراب ذلك ليتعلم ابن آدم منه الدفن، وحين رأى القاتل الغراب يبحث في الأرض تعلم منه سنة الدفن، وظهر له جهله، وضعفه، كما أشار إلى ذلك سبحانه حاكيًا عنه: {قَالَ}: قابيل {يَا وَيْلَتَا}؛ أي: يا هلكتى أحضري إلي لأتعجب منك، فهذا أوانك - وهي كلمة جزع (٢) وتحسر، والألف فيها بدل من ياء المتكلم - والويل والويلة الهلكة والاستفهام في قوله: {أَعَجَزْتُ} استفهام (٣) تعجب من عدم اهتدائه إلى ما اهتدى إليه الغراب؛ أي: يا ويلتى هل ضعفت {أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} الذي وارى الغراب الآخر {فَأُوَارِيَ} وأستر {سَوْءَةَ أَخِي}؛ أي: جيفته وعورته عن الأعين


(١) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٣) أبو السعود.