وقرأ زيد بن علي وابن كثير وابن عامر: بضم التاء وهما لغتان، والخلاف عن الحسن وقتادة والأعرج وأبي عمرو
٤٨ - {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (٤٨)} (١) وصب الماء إراقته من أعلى، والعذاب ليس بمصبوب؛ لأنه ليس من الأجسام المائعة، فكان الأصل يصب من فوق رؤوسهم الحميم، كما هو القراءة في سورة الحج، والمصبوب في الحقيقة هو الحميم، فتارة اعتبرت الحقيقة كما في سورة الحج، وتارةً اعتبرت الاستعارة كما هنا، فقيل: يصب من فوق رؤوسهم العذاب، وهو الحميم؛ لأنه أذم، وأهيب من الحميم، فقد صب ما تولد عنه من الآلام والعذاب، فعبر بالمسبب عن السبب؛ لأن العذاب هو المسبب عن الحميم، ولفظة العذاب أهول وأهيب، وزيد من للدلالة على أن المصبوب بعض هذا النوع، وإضافة العذاب إلى الحميم للبيان؛ أي: إلى عذاب هو الحميم.
ويروى: أن الكافر إذا دخل النار يطعم الزقوم، ثم إن خازن النار يضربه على رأسه بمقمعة، يسيل منها دماغه على جسده، ثم يصب الحميم فوق رأسه، فينفذ إلى جوفه فيقطع الأمعاء والأحشاء ويمرق من قدميه.
٤٩ - وقولوا له على سبيل الاستهزاء والتهكم والتقريع:{ذُقّ} أيها الأثيم هذا العذاب المذل المهين {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ} في نظرك {الْكَرِيمُ} عند قومك؛ أي: وقولوا له ذلك استهزاءً به، وتقريعًا له على ما كان يزعمه، من أنه عزيز كريم، فمعناه: أنت الذليل المهان.
وقيل: إن أبا جهل قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما بين جبلي مكة أعز وأكرم منى، فوالله ما تستطيع أنت ولا ربك، أن تفعل بي شيئًا، فوردت الآية وعيدًا له ولأمثاله، عجبًا كيف أقسم بالله تعظيمًا له، ثم نفى الاستطاعة عنه، مع أن الرسول عليه السلام كان لا يدعو ربا سواه، فالكلام المذكور من حيرة الكفر وحكم الجهل وتعصب النفس، كما قالوا: أمطر علينا حجارة من السماء، وفي لفظ الذوق إشارة إلى أنه كان معذبًا في الدنيا، ولكن لما كان في نوم الغفلة،