من الشر على ما هو العادة القرآنية، ووجه تقديم بيان حال الكفرة غني عن البيان؛ أي: إن للذين يتقون الكفر والقبائح التي هي من أعمال الكفرة مفازًا؛ أي: فوزًا وظفرًا بمطالبهم، ونجاة من مكارهم، دل على هذا المعنى تفسيره بما بعده من قوله:{حَدَائِقَ} إلخ، فالمفاز على هذا المعنى: مصدر ميمي، أو موضع فوز وظفر، على أنه اسم مكان.
فإن قيل: الخلاص من الهلاك أهم من الظفر باللذات (١)، فلِمَ أهل الأهم، وذكر غير الأهم؟
قلنا: لأن الخلاص من الهلاك لا يستلزم الفوز بالنعيم، لكونه حاصلًا لأصحاب الأعراف مع أنهم غير فائزين بالنعيم، بخلاف الفوز بالنعيم، فإنه يستلزم الخلاص من الهلاك، فكان ذكره أولى،
٣٢ - وقوله:{حَدَائِقَ}؛ أي: بساتين فيها أنواع الأشجار المثمرة، بدل من {مَفَازًا} بدل اشتمال، إن كان مصدرًا ميميًا؛ لأن الفوز يدل عليه دلالة التزامية، أو بدل بعض، إن جعل اسم مكان، وهو جمع حديقة، وهي الروضة ذات الأشجار، وقيل: الحديقة كل بستان عليه حائط؛ أي: جدار، وفيه من النخل والثمار، وفي "المفردات": الحديقة: قطعة من الأرض ذات ماء، سميت بذلك تشبيهًا بحدقة العين في الهيئة، وحصول الماء فيها.
{وَأَعْنَابًا}؛ أي: كرومًا، وهو تخصيص بعد التعميم إظهارًا لفضلها جمع عنب، وهو ثمر الكرم، قال بعضهم: ذكر نفسها، ولم يذكر شجرها - وهو الكرم - لأن زيادة الشرف فيها لا في شجرها.
والمعنى: أي إن لمن اتقى محارم الله، وخاف عقابه فوزًا بالكرامة، والثواب العظيم، في جنات النعيم، ثم فسر هذا الفوز وفصله بقوله: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (٣٢)}؛ أي: بساتين من النخيل والأعناب ومختلف الأشجار، لها أسوار محيطة بها، وفيها
الأعناب اللذيذة الطعم، مما تشتهيه النفوس، وتقر به العيون، وقد أفردت بالذكر - وهو مما يكون في الحدائق - عناية بأمرها، كما جاء في قوله:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}،