للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٤٤ - ثم بيّن سبحانه عظمة ملكه وكبير سلطانه فقال: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ}؛ أي: تنزه الله تعالى السموات السبع، والأرض عن كل نقص بدلالة أحوالها على توحيد الله تعالى، وقدرته، ولطيف حكمته، فكأنها تنطق بذلك، ويصير لها بمنزلة التسبيح النطقي، {وَ} يسبحه تعالى أيضًا {مَنْ فِيهِنَّ}؛ أي: من في السموات والأرض من المخلوقات؛ أي: تنزهه عمّا يقول هؤلاء المشركون، وتعظمه، وتشهد له بالوحدانية، في ربوبيته، وألوهيته كما قال أبو نواس:

وفيْ كلّ شيءٍ له آيةٌ ... تدلُّ على أنَّه واحدُ

والمكلف العاقلُ (١) يسبح ربه إما بالقول كقوله: «سبحان الله» وإما بدلالة أحواله على توحيده وتقديسه، وغير العاقل لا يسبّح إلا بالطريق الثاني، فهي تدل بحدوثها دلالة واضحة على وجوب وجوده تعالى، ووحدانيته، وقدرته وتنزهه عن الحدوث، فإنّ الأثر يدل على مؤثره.

ومعنى التسبيح (٢): تنزيه الحق، وتبعيدُه عن نقائص الإمكان، والحدوث، إمّا بلسان الحال، الدال على وجود الخالق، وقدرته وحكمته، كتسبيح السموات والأرض، وإما بلسان القال الناطق بما يسمع كتسبيح من فيهن من الملائكة، والجن والإنس، فالتسبيح مشترك بين اللفظ الدّال عليه، وبين مثل الحدوث والإمكان، الدّالّ على تنزيهه تعالى عن لوازم الإمكان وتوابع الحدوث.

وقرأ النحويان (٣): أبو عمرو والكسائي، وحمزة وحفص {تُسَبِّحُ} بالتاء من فوق، وباقي السبعة بالياء، وفي بعض المصاحف {سبحت له السماوات} بلفظ الماضي، وتاء التأنيث، وهي قراءة عبد الله، والأعمش، وطلحة بن مصرّف.

ثم أكّد ما سلف بقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: وما من شيء من المخلوقات {إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} تعالى، أي: يدل بإمكانه وحدوثه دلالةً واحدةً على وجوب وجوده تعالى، ووحدته وقدرته، وتنزهه عن لوازم الحدوث.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.