للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): وما من شيء من الأشياء حيوانًا كان أو نباتًا، أو جمادًا إلا ينزهه تعالى متلبسًا بحمده بلسان الحال عما لا يليق بذاته تعالى من لوازم الإمكان.

والخلاصة: أن كل الأكوان بأسرها شاهدة بتنزهه تعالى عن مشاركته للمخلوقات في صفاتها المحدثة {وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ}، أيها المشركون، ولا تفهمون {تَسْبِيحَهُمْ} ما عدا من يسبح بلغتكم، ولسانكم، والفقه (٢): عبارة عن فهم غرض المتكلم من كلامه؛ أي: ولكن لا تفهمون أيّها المشركون تلك الدّلالة، لأنّكم لما جعلتم مع الله آلهةً، فكأنكم لم تنظروا، ولم تفكروا؛ إذ النّظر الصحيح، والتفكير الحق، يؤدي إلى غير ما أنتم عليه، فأنتم إذًا لم تفقهوا التسبيح، ولم تستوضحوا الدلالة على الخالق.

فإنّ الكفار (٣)، وإن كانوا مقرّين بألسنتهم بإثبات إله العالم، لم يتفكروا في أنواع الدلائل، ولم يعلموا كمال قدرته تعالى، فأستبعدوا كونه تعالى قادرًا على النشر، والحشر، فهم غافلون عن أكثر دلائل التوحيد، والنبوة، والمعاد؛ لأنهم أثبتوا لله شركاء، وزوجًا وولدًا.

وقرىء {لا يُفَقَّهونَ} على صيغة المبني للمفعول مع فتح الفاء، وتشديد القاف {إِنَّهُ} سبحانه وتعالى {كانَ حَلِيمًا} على جهلكم، وإشراككم، فمن حلمه أن أمهلكم، ولم يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء جهلكم بهذا التسبيح بإشراككم به سواه، وعبادتكم معه غيره، والحلم (٤): تأخير مكافأة الظالم بالنسبة إلى الخالق، والطمأنينة عند سورة الغضب بالنسبة إلى المخلوق {غَفُورًا} لمن تاب منكم ورجع إلى التوحيد، ومن مغفرته لكم أنّه لا يؤاخذ من تاب منكم.

أخرج أحمد وابن مردويه، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ نوحًا عليه


(١) المراح.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.
(٤) روح البيان.