للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم ذكر سبحانه وتعالى، الطائفة التي تنتصر ممن ظلمها، فقال:

٩ - ٣٩ {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ}؛ أي: وصل إليهم الظلم {يَنْتَصِرُونَ}؛ أي: ينتقمون ممن ظلمهم معطوف على الموصول الأول.

والمعنى: إذا وصل إليهم الظلم، والتعدي من ظالم متعد، ينتقمون ويقتصون ممن بغى عليهم، على الوجه الذي جعله الله، ورخصه لهم، لا يتجاوزون ذلك الحد المعين، وهو رعاية المماثلة، وأما غيرهم فليسوا كذلك، فهذا هو معنى التخصيص هنا، وقد ذكر (١) سبحانه هؤلاء المنتصرين في معرض المدح، كما ذكر المغفرة عند الغضب في معرض المدح؛ لأن التذلل لمن بغى، ليس من صفات من جعل الله له العزة، حيث قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} فالانتصار عند البغي فضيلة، كما أن العفو عند الغضب فضيلة. وقال في "الروح": وهذا وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم، بسائر أمهات الفضائل، من الدين والتيقظ، والحلم والسخاء. وذلك لأن البغي إنما يصيبهم من أهل الشوكة والغلبة، فإذا انتقموا منهم على الحد المشروع، كراهة التذلل، باجتراء الفساق عليهم، وردعًا للجاني عن الجراءة على الضعفاء، فقد ثبت شجاعتهم وصلابتهم في دين الله، وكان النخعي رحمه الله تعالى، إذا قرأ هذه الآية يقول: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم، فتجترىء عليهم السفهاء. قال الشاعر:

وَلَا يُقِيْمُ عَلَى ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ ... إِلَّا الأَذَلَّانِ عِيْرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ

هَذَا عَلَى الْخَسفِ مَرْبُوْطٌ بِرُمَّتِهِ ... وَذَا يشَجُّ فَلَا يَرْثِيْ لَهُ أَحَدُ

أي: لا يصبر على ظلم يراد في حقه، إلا الأذلان هما في غاية الذل، وهما الحمار المربوط على الذل، بقطعة حبل بالنية، والوتد الذي يدق ويشق رأسه، فلا يرحم له أحد. ولفظ البيت خبر، والمعنى: نهي عن الصبر على الظلم، وتحذير وتنفير للسامعين عنه.

واعلم (٢): أن المؤمنين فريقان:


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.