قال صاحب "روح البيان": تشير الآية على القول الأول، إلى أنه لو قال المعطي للآخذ: أنا لا أعطي هذا المال إياك على أنه ربا، وجعله في حل .. لا يكون حلالًا، ولا يخرج عن كونه ربًا؛ لأن ما كان حرامًا بتحريم الله تعالى، لا يكون حلالًا بتحليل غيره، وإلى أن المعطي ولآخذ سواء في الوعيد، إلا إذا كانت الضرورة قويةً في جانب الآخر، فلم يجد بدًا من الأخذ بطريق الربا، بأن لا يقرضه أحد بغير معاوضةٍ.
{وَمَا آتَيْتُمْ} وأعطيتم {مِنْ زَكَاةٍ}؛ أي: من صدقة تطوع إلى المساكين، سميت (١) زكاة لأنها تزكو وتنمو حالة كونكم {تُرِيدُونَ} بها {وَجْهَ اللَّهِ} سبحانه، وتقصدون ثوابه ورضاه، لا ثواب غيره من المكافأة، ولا رضاه بأن يكون رياءً وسمعةً {فَأُولَئِكَ} المعطون على الصفة المذكورة {هُمُ الْمُضْعِفُونَ}؛ أي: الذين أضعفت صدقاتهم في الآخرة بكثرة الثواب من عشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف، وبحفظ أموالهم في الدنيا، وبالبركة لها، و {الْمُضْعِفُونَ} بكسر العين على قراءة الجمهور: جمع مضعف، والمضعف: ذو الإضعاف في الأجر، كالمقوي لذي القوة، والموسر لذي اليسار، وقرأ أبيّ:{المضعفون} بفتح العين اسم مفعول، وفي عدوله عن الخطاب إلى الإخبار إيماء إلى أنه لم يخص به المخاطبون، بل هو عام في جميع المكلفين إلى قيام الساعة.
واعلم: أن المال عارية مستردة في يد الإنسان، ولا أحد أجهل ممن لا ينقذ نفسه من العذاب الدائم بما لا يبقى في يده، وقد تكفل الله سبحانه بإعواض المنفق.
٤٠ - ولما بين أنه لا زيادة، إلا فيما يزيده، ولا خير إلا فيما يختاره .. أكد ذلك بقوله:{اللَّهُ} الذي لا تصح العبادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره هو {الَّذِي خَلَقَكُمْ} وأوجدكم من العدم، ولم تكونوا شيئًا؛ أي: خلقكم في بطون أمهاتكم أطوارًا، ثم أخرجكم وفيكم الروح {ثُمَّ رَزَقَكُمْ} ما به قوام شؤونكم في هذه