للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شدَّادا. وقوله: {مُلِئَتْ حَرَسًا} حال من مفعول {وَجَدْنَاهَا} بتقدير قد إن كان وجدنا بمعنى أصبنا وصادفنا، ومفعول ثان إن كان من أفعال القلوب؛ أي: فعلمناها مملوءة و {حَرَسًا} تمييز. {وَشُهُبًا} عطف على {حَرَسًا}، وحكمه في الإعراب حكمه. جمع شهاب، وهي الشعلة المقتبسة من نار الكواكب، هكذا قالوا، وقد مرّ تحقيقه في تصير قوله: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ}.

والمراد من الآية: إخبار (١) الله سبحانه عن مقال الجنّ حين بعث محمّدًا - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل عليه القرآن، وحفظ منهم إنّ السماء ملئت حرّاسًا شدّادًا وشهبًا تحرسها من سائر أرجائها، وتمنعنا من استراق السمع كما كنّا نفعل أوّلًا.

أخرج أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال: كان للشياطين مقاعد في السماء، يسمعون فيها الوحي، فإذا سمعوا الكلمة زادوا فيها تسعًا، فأمّا الكلمة فتكون {حقًّا} وأمّا ما زادوا فيكون باطلًا. فلما بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منعوا مقاعدهم، فذكروا ذلك لإبليس، ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك، فقال لهم: ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض فبعث جنوده، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائمًا يصلي بين جبلين بمكة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا هو الحدث الذي حدث في الأرض.

٨ - ٩ {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ}؛ أي: وقالوا: إنّا كنا نقعد قبل هذا {مِنْهَا}؛ أي: من السماء {مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ}؛ أي: (٢) مقاعد وأماكن خالية عن الحرس والشهب، يحصل منها مقاصدنا من استماع الأخبار للإلقاء إلى الكهنة أو صالحة للترصّد والاستماع. وقوله: {لِلسَّمْعِ} متعلق بـ {نَقْعُدُ}؛ أي: على الوجه الأول؛ أي: نقعد أماكن خالية عن الحرس لأجل السمع، أو بمضمر هو صفة لـ {مَقَاعِدَ}؛ أي: على الثاني؛ أي: مقاعد كائنة للسمع. وفي "كشف الأسرار"؛ أي: مواضع لاستماع الأخبار من السماء، وكان لكل حيّ من الجنّ باب في السماء يستمعون فيه. والمقاعد: جمع مقعد اسم مكان، وذلك أن مردة الجن كانوا يفعلون ذلك ليسمعوا من الملائكة أخبار السماء فيلقونها إلى الكهنة، فحرسها الله سبحانه ببعثه رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالشهب المحرقة، وهو معنى قوله: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}.


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.