للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا ترى أن أهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر، وإن كانوا حال حياتهم في غاية الفقر، وأما الملوك والجبابرة، فإذا ماتوا انقرض أثرهم، ولا يبقى في الدنيا رسمهم.

وقد جرت سنة الله أن الحق يعلو، والباطل يسفل، وأن الذي يبقى هو الأصلح والأمثل، فالذين يقاتلون في سبيل الله يطلبون ما تقتضيه سنة العمران، والذين يقاتلون في سبيل الشيطان يطلبون الانتقام والاستعلاء في الأرض بغير الحق، وتسخير الناس لأغراضهم وشهواتهم، وسنن العمران تأبى ذلك، فلا يكون لذلك قوة ولا بقاء إلا لنومة أهل الحقّ عن حقهم، فإذا هم أفاقوا من غفوتهم .. تغلب الحق على الباطل، ورده خاسئًا محسورًا.

على أن الذين يقاتلون في تأييد الحق تتوجه هممهم إلى إتمام الاستعداد، ويكونون أجدر بالثبات والصبر، وفي ذلك من القوة ما ليس في كثرة العدد والعدد.

وهذا في الحروب الدينية التي قد تركها المسلمون منذ أزمان طويلة، ولو وجدت في الأرض حكومة إسلامية، تقيم القرآن، وتحوط الدين وأهله بما أوجبه الله من إعداد العدة للحرب .. لاتخذها أهل المدنية قدوة لهم وإماما في أعمالهم، وما كانت الحمية والعصبية والوطنية ديدنًا لهم، فهم في أمد بعيد من النصر على أعدائهم، فيا مصيبة ابتلي المسلمون بها الآن، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

٧٧ - وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} استفهام (١) تعجيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إحجامهم عن القتال، مع أنهم كانوا قبل ذلك راغبين فيه حرصًا عليه، بحيث كانوا يباشرونه كما ينبىء عنه الأمر بكف الأيدي، فإن ذلك مشعر بكونهم بصدد بسطها إلى العدو، والخطاب (٢) فيه


(١) أبو السعود.
(٢) المراح.