والفاء التعقيبية إشارة إلى قصر مدة الخضرة، ورمز إلى مدة العمر، وسرعة زوال الدنيا ونعيمها، وانتصاب {غُثَاءً} على أنه مفعول ثان، أو على الحال، وأحوى: صفة له، وقال الكسائي: هو حال من المرعى؛ أي: أخرج المرعى حال كونه أحوى؛ أي: أسود من شدة خضرته ونضارته لكثرة ريه. وحسن تأخير {أَحْوَى} لأجل الفواصل.
ومعنى الآية: أي والذي أنبت النبات جميعه لترعاه الدواب والنعم، فما من نبت إلا وهو يصلح أن يكون مرعى لحيوان من الأجناس الحية {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)}؛ أي: فجعل هذا المرعى بعد أن كان أخضر هشيمًا باليًا كالغثاء يميل لونه إلى السواد، فهو سبحانه القادر على إنبات العشب، وعلى تبديل حاله، لا الأصنام التي عبدها الكفرة الفجرة.
وقصارى ما سلف: أنا مأمورون أن نعرف الله جل شأنه بأنه القادر العالم الحكيم الذي شهدت بصفاته آثاره في خلقه، وأن لا ندخل في هذه الصفات ما لا يليق به، كما أدخل الملحدون الذين اتخذوا من دونه شركاء، أو وصفوه بما به يشبه خلقه. وإنما توجه إلينا الأمر بتسبيح الاسم دون الذات ليرشدنا إلى أن مبلغ جهدنا أن نعرف الصفات بما يدل عليها، أما الذات .. فهي أعلى وأرفع من أن تتوجه إليها عقولنا إلا بما نلحظ من هذه الصفات بما يدل عليها.
٦ - {سَنُقْرِئُكَ}؛ أي: سنجعلك قارئًا بأن نلهمك القراءة {فَلَا تَنْسَى} ما تقرؤه، وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان هدايته تعالى الخاصة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إثر بيان هدايته تعالى العامة لكافة مخلوقاته، وهي هدايته - صلى الله عليه وسلم - لتلقي الوحي، وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين، وتوفيقه - صلى الله عليه وسلم - لهداية الناس أجمعين. قال الراغب في "المفردات": وهذا إخبار وضمان من الله تعالى أن يجعله بحيث لا ينسى ما سمعه من الحق. انتهى. والسين؛ إما للتأكيد، وإما لأن المراد إقراء ما أوحى إليه حينئذٍ، وما سيوحى إليه بعد ذلك، فهو وعد كريم باستمرار الوحي في ضمن الوعد بالإقراء.