للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمعنى (١): أي إنَّ هذه السورة بما فيها من ترتيب بديع ونسق عجيب ووعد ووعيد وترغيب وترهيب .. تذكرة للمتأمّلين وتبصرة للمستبصرين، فمن شاء الخير لنفسه في الدنيا والآخرة .. فليتقرب إلى ربه بالطاعة ويتبع ما أمره به وينته عما نهاه عنه، ليحظى بثوابه ويبتعد عن عذابه.

٣٠ - {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} تحقيق (٢) للحقّ ببيان أن مجرد مشيئتهم غير كافية في اتخاذ السبيل، كما هو المفهوم من ظاهر الشرطية، و {أَن} مع الفعل في حكم المصدر الصريح في قيامه مقام الظرف.

والمعنى: وما تشاؤون اتخاذ السبيل الموصلة إلى النجاة، ولا تقدرون على تحصيلها في وقت من الأوقات إلّا وقت مشيئته تعالى تحصيلها لكم؛ أي: إلا إذا وفّقكم الله سبحانه لاكتسابها، وأعدّكم لنيلها إذ لا دخل لمشيئة العبد إلا في الكسب، وإنّما التأثير والخلق لمشيئة الله تعالى، فمشيئة العبد وحدها لا تأتي بخير ولا تدفع شرًّا، وإن كان يثاب على المشيئة الصالحة، ويؤجر على قصد الخير، كما في حديث "إنما الأعمال بالنيات وإنّما لكل امرىء ما نوى".

غاية ما في الباب أن المشيئة ليست من الأفعال الاختيارية للعبد، بل هي متوقّفة على أن يشاء الله إيّاها. وذلك لا ينافي كون الفعل الذي تعلقت به مشيئة العبد اختياريًا له واقعًا بمشيئته، وإن لم تكن مشيئته مستقلة فيه. قال في "عين المعاني": قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ} إلخ، حجة تكليف العبوديّة. وقوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ} إلخ، إظهار قهر الألوهية.

وقرأ العربيان (٣): أبو عمرو وابن عامر، وابن كثير {وما يشاءون} بياء الغيبة. وباقي السبعة بتاء الخطاب. قال الزمخشري: فإن قلت: ما محل {أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}؟

قلت: النصب على الظرف، وأصله: إلا وقت مشيئة الله تعالى. وكذلك قرأ ابن مسعود {إلا ما يشاء الله} لأنَّ {ما} مع الفعل كأن معه انتهى، وفيه خلاف.

{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}؛ أي: إن الله عليم بمن يستحقّ الهداية، فييسرها له ويقيض له أسبابها، ومن هو أهل للغواية فيصرفه عن الهدى، وله الحكمة


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.