{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ}، وأخفوا معصية، فأخفى لهم عقوبة، وقيل: هو مستنقع في جهنم، يسيل إليه سم كل ذي سم من عقرب وحية، يغمس فيه الآدمي، فيسقط جلده ولحمه عن العظام، وقيل: هو ما يسيل من فروج النساء الزواني، ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم، وفي «التأويلات النجمية»: {هذا} الذي مهدوا اليوم {فَلْيَذُوقُوهُ} يوم القيامة، يعني: قد حصلوا اليوم معنى صورته {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} يوم القيامة، ولكن مذاقهم، بحيث لا يجدون ألم عذاب، ما حصلوه بسوء أعمالهم، فليذوقوه يوم القيامة، انتهى. فإذا تنعم المؤمنون بالفاكهة، والشراب .. تعذب الكافرون بالحميم والغساق، وقال مجاهد، ومقاتل: الغساق: هو الثلج البارد، الذي قد انتهى برده. وتفسير الغساق بالبارد، أنسب بما تقتضيه لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
والخلاصة: أي لهم في جهنم ماء حار، يشوي الوجوه، وماء بارد، لا يُستطاع شربه لبرودته.
وقرأ ابن أبي إسحاق، وقتادة، وابن وثاب، وطلحة، وحمزة، والكسائي، وحفص، والفضل، وابن سعدان، وهارون عن أبي عمرو:{غساق} بتشديد السين. وقرأ باقي السبعة: بتخفيف السين، وهما لغتان بمعنى واحد، كما قال الأخفش. وقيل: معناهما مختلف. فمن خفف، فهو اسم مثل: عذاب، وجواب، وصواب، ومن شدد قال: هو اسم فاعل للمبالغة، نحو: ضراب، وقتال.
٥٨ - ثم زاد في التهديد، وبالغ في الوعيد. فقال:{وَ} عذاب {آخَرُ} أو مذوق آخر. وهو مبتدأ خبره {مِنْ شَكْلِهِ}؛ أي: كائن لهم من شكل الحميم، والغساق المذكورين، ومثلها في الشدة والفظاعة، وقوله:{أَزْواجٌ} صفة {وَآخَرُ}. ومعنى {أَزْواجٌ}؛ أي: أجناس، وأنواع، وأشباه؛ أي: وعذاب آخر ذو ضروب، وأجناس كثيرة، كائن لهم من شكل الحميم والغساق المذكورين، ومثلهما في الشدة والفظاعة.