للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرأ الجمهور (١): {فَعَمِيَتْ} بفتح العين وتخفيف الميم، وقرأ الأعمش وجُناح بن حُبيش وأبو زرعة هرم بن عمرو بن جرير: بضم العين وتشديد الميم، والمعنى: أُظلمت عليهم الأمور فلم يستطيعوا أن يُخبروا بما فيه نجاة لهم. وأتى بلفظ الماضي لتحقق وقوعه، وقرأ طلحة: {يَتَسَاءَلُونَ} بإدغام التاء في السين؛ أي: لا يسأل بعضهم بعضًا فيما يتحاجون به، إذ أيقنوا أنه لا حجة لهم، فهم في عمى وعجز عن الجواب، والمراد بالنبأ الخبر عما أجاب به المرسل إليه رسوله.

٦٧ - ولما ذكر تعالى أحوال الكفار يوم القيامة، وما يكون منهم فيه أخبر بأن من تاب من الشرك وآمن وعمل صالحًا، فإنه مرجوٌّ له الفلاح والفوز في الآخرة، وهذا ترغيب للكافر في الإِسلام، وضمان له بالفلاح، فقال: {فَأَمَّا مَنْ تَابَ} من الشرك {وَآمَنَ} بما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَعَمِلَ} عملًا {صَالِحًا}؛ أي: خالصًا لوجه الله {فَعَسَى}؛ أي: فحق {أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}؛ أي: من الفائزين بالمطلوب عند الله تعالى الناجين من المكروه.

و {عَسَى} وإن كانت في الأصل للرجاء فهو من الله سبحانه واجب، مفيد للتحقق، على ما هو عادة الكرام، وقيل: إن الترجي هو من التائب المذكور، لا من جهة الله سبحانه، بمعنى فليتوقع الفلاح، والمعنى (٢): فأما من تاب من المشركين وراجع الحق، وأخلص لله بالألوهية، وأفرد له العبادة وصدَّق نبيَّه، وعمل بما أمر به في كتابه على لسان نبيه فهو من الفائزين الذين أدركوا مطالبهم، وفازوا بجنات النعيم، خالدين فيها أبدًا.

قال في "كشف الأسرار": إنما قال: {فَعَسَى} (٣) يعني إن دام على التوبة والعمل الصالح، فإن المنقطع لا يجد الفلاح، ونعوذ بالله من الحور بعد الكور، فينبغي لأهل الآخرة أن يباشروا الأعمال الصالحة، ويدوموا على أورادهم، وللأعمال تأثير عظيم في تحصيل الدرجات، وجلب المنافع والبركات، ولها نفع


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.