للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يونس، وسورة المؤمنين حيث قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ}، وفي سورة ص، إذ قال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)}، ما خلقناهما إلا خلقًا متلبسًا بالحق، وهو الدلالة بهما على وحدانية الخالق لهما، ووجوب طاعته والإنابة إليه لعظمته وجبروته، كما جاء في الحديث القدسي: "كنت كنزًا مخفيًا، فأردت أن أعرف، فخلقت الخلق فبي عرفوني" ولكن أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون ذلك، فهم لا يخافون من سخطه، عقوبةً لهم على ما اجترحوا من السيئات، ولا يرجون ثوابًا على خير فعلوه، لتكذيبهم بالميعاد، والعودة إلى دار أخرى، بعد هذه الدار.

وخلاصة ما تقدم (١): أن هؤلاء لقلة تدبرهم، لا يعتقدون أن الأمر كذلك، وهم واهمون فيما يظنون، إذ لو لم توجد دار للجزاء، لما امتاز مطيع من عاص، ولا محسن من مسيء، والعقل قاض بغير هذا.

٤٠ - ثم أكد ما سلف بقوله: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ}؛ أي: إن يوم القيامة الذي يفصل فيه الحق من الباطل، ويميز المحق من المبطل، ويقضى بين الخلائق، بين الأب والابن، والزوج والزوجة، ونحو ذلك {مِيقَاتُهُمْ}؛ أي: وقت موعد الخلائق {أَجْمَعِينَ} من الأولين والآخرين؛ أي: الوقت المجعول لتمييز المحسن منهم من المسيء، والمحق من المبطل، لا يتخلف عنه أحد منهم أجمعين، وقال بعضهم: يوم الفصل يوم يفصل فيه بين كل عامل وعمله، ويطلب بإخلاص ذلك وبصحته، فمن صح له مقامه وأعماله، قبل منه وجزي عليه، ومن لم تصح له أعماله، كانت أعماله عليه حسرةً وندامةً.

وقد اتفق (٢) القراء على رفع {مِيقَاتُهُمْ} على أنه خبر {إِنَّ}، واسمها {يَوْمَ الْفَصْلِ}، و {أَجْمَعِينَ} تأكيد للضمير المجرور في {مِيقَاتُهُمْ}، وأجاز الكسائي والفراء نصبه على أنه اسمها، و {يَوْمَ الْفَصْلِ} خبرها. وقرىء {ميقاتهم} بالنصب


(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.