اجتمع به، وفرعون يعلم ذلك، وإنّما قال ذلك تسترا وتدليسا على رعاع دولته وجهلتهم، كما قال تعالى:{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ}.
والحاصل (١): أن قوله: {إِنَّ هذا لَمَكْرٌ} وقوله: {لِتُخْرِجُوا مِنْها} الخ. هاتان شبهتان ألقاهما إلى أسماع عوام القبط، فأراهم أنّ إيمان السحرة مبني على المواطأة بينهم وبين موسى، وأنّ غرضهم بذلك إخراج القوم من المدينة، وإبطال ملكهم، ومعلوم أنّ مفارقة الأوطان مما لا يطاق فجمع اللعين بين الشبهتين تثبيتا للقبط على ما هم عليه، وتهييجا لعداوتهم لموسى، ثم عقبهما بالوعيد ليريهم أن لهم قوة فقال:{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما أصنع بكم من العذاب جزاء على هذا المكر والخداع،
١٢٤ - ثم بين ذلك بقوله:{لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ}؛ أي: والله لأنكّلن بكم أشد التنكيل، فلأقطعن الأيدي والأرجل منكم، حالة كونها مختلفة في شق وجانب؛ أي: أنه يقطع من كل شق طرفا فيقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، فيخالف بينهما في القطع {ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ}؛ أي: ثم بعد قطع الأيدي والأرجل لأعلقنكم على الأخشاب، ممدودة أيديكم على صورة الصليب؛ أي: ثمّ لأصلّبنّ كل واحد منكم - وهو على تلك الحال - لتكونوا عبرة لمن تحدثه نفسه بالكيد لنا، والترفع عن الخضوع لعظمتنا، قال ابن عباس رضي الله عنه: أول من قطع الأيدي والأرجل وصلب فرعون.
والخلاصة: أنّ اتهامه السحرة بالتواطؤ مع موسى، إنّما كان تمويها على قومه المصريين، إذ خاف عاقبة إيمان الشعب بموسى، فادعى أنّه لا ينتقم من السحرة إلا حبا فيهم، ودفاعا عنهم، وابقاء لاستقلالهم في وطنهم، كما هو شأن كل رئيس أو ملك في شعب يخاف أن ينتفض عليه وتجتمع كلمته على اختيار زعيم آخر، يقوم بدعوة دينية أو سياسية، وجاء هنا بـ {ثُمَّ} وفي يونس والشعراء بـ {الواو}؛ لأنّ الواو صالحة للمهلة، فلا تنافي في الآيات. ذكره في «الفتوحات».