والانحناء تواضع له وتعظيم، والسجود أبلغ منه في التواضع والتعظيم، ومن ذلك قالوا: إن السجود لغير الله كفر إن كان للعبادة، وخطر عظيم إن كان للتعظيم. وفي "حواشي ابن الشيخ": الركوع في اللغة حقيقة في مطلق الانحناء الحسّيّ، وركوع الصلاة من جملة أفراده، وتفسيره بالإطاعة والخضوع مجاز لغويّ تشبيهًا له بالانحناء الحسّي. {لَا يَرْكَعُونَ}؛ أي: لا يخضعون، ولا يقبلون ذلك، ويصرون على ما هم عليه من الاستكبار.
وقيل المعنى: إذا أمروا بالصلاة، أو بالركوع لا يفعلون، لما روى مقاتل: أنه نزل حين أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثقيفًا بالصلاة، فقالوا: إنّا لا نخرّ ولا نحني؛ أي: لا نقوم قيام الراكع، فإنها سبة علينا؛ أي: إنّ هيئة التجبية هيئة تظهر وترفع فيها السبّة، وهي الاست؛ أي: الدبر. وهو عار وعيب علينا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود".
وفي بعض التفاسير: كانوا في الجاهلية يسجدون للأصنام ولا يركعون لها، فصار الركوع من أعلام صلاة المسلمين لله تعالى. وفيه دلالة على أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع في حقّ المؤاخذة في الآخرة، كما مرّ مرارًا. وفيه ذمّ عظيم لتارك الصلاة حيث لا يجيب داعي الله، أي: المؤذّن. فإنه يدعو في الأوقات الخمسة المؤمنين إلى بيت الله وإقامة الصلاة، وقس عليه سائر الداعين.
والخلاصة (١): أي وإذا قيل لهؤلاء المكذّبين: أعبدوا الله وأطيعوه واخشوا يومًا تتقلّب فيه القلوب والأبصار استكبروا، وأصرّوا على عنادهم.
وروى ابن جرير عن ابن عباس: أنه قال: ما يقال هذا في الآخرة حين يدعون إلى السجود، فلا يستطيعون من جراء أنهم لم يكونوا يسجدون في الدنيا.
٤٩ - {وَيْلٌ}؛ أي: توبيخ عظيم وعذاب شديد {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ يوبّخ المكذبين، ويُعنّفون على أعمالهم الخبيثة {لِلْمُكَذِّبِينَ} بأوامر الله سبحانه ونواهيه.
٥٠ - وبعد أن بالغ في زجر الكفّار بما تقدم ذكره، وحثّ على الانقياد للدين الحقّ ختم السورة بالتعجيب من هؤلاء المشركين الذين لم يسمعوا نصيحة الداعي، ولم