للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال القاضي عياض في كتابه "الشفاء" (١): وليس عفا هنا بمعنى: غفر، بل كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عفا الله لكم عن صدقة الخيل والرقيق" ولم تجب عليهم قط؛ أي لم يلزمكم ذلك، ونحوه للقشيري قال: وإنما يقول: (العفو لا يكون إلا عن ذنب) مَنْ لا يعرف كلام العرب، قال: ومعنى عفا عنك؛ أي: لم يلزمك ذنب،

٤٤ - ثم ذكر سبحانه: أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القعود عن الجهاد بلا عذر، كان من عادتهم أنه - صلى الله عليه وسلم - إذا أذن لواحد منهم بالقعود ... شق عليه ذلك، فقال: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ} يا محمَّد. {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} في {أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} في سبيل الله بل الخلص منهم يبادرون إليه من غير توقف علي الإذن، فضلًا عن أن يستأذنوك في التخلف من غير عزر، فحيث استأذنك هؤلاء في التخلف كان ذلك مظنةً للتأني في أمرهم، بل دليلًا على نفاقهم، ذكره أبو السعود.

والمعنى: ليس (٢) من شأن المؤمنين بالله - الذي كتب عليهم القتال - وباليوم الآخر الذي يوفي فيه كل عامل جزاء ما عمل، أن يستأذنوك أيها الرسول في أمر الجهاد في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، إذا جد ما يدعو إلى ذلك, بل يُقدمون عليه عند وجوبه من غير استئذان، كما قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} بل هم يستعدون له وقت السلم بإعداد القوة ورباط الخيل وهم بالأولى لا يستأذنونك في التخلف عنه بعد إعلان النفير العام, وأقصى ما يقع من فريق منهم هو التثاقل والتباطؤ إذا كان النصر بعيدًا.

واعلم: أنه قد تقدم لنا أن هذه السورة تسمى الفاضحة؛ لأنها فضحت أنواع النفاق وكشفت أحوال المنافقين , ومن ثم نقل البغوي وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة، والمراد أنه لم يكن يعرفهم كلهم ويعرف شؤونهم بهذا التفصيل حتى


(١) الخازن بتصرف.
(٢) المراغي.