للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغرق {فِي الْبَحْرِ ضَلَّ}، وذهب، وغاب عن أوهامكم وخواطركم {مَنْ تَدْعُونَ}؛ أي: كلّ من تدعون، وتستغيثون به من حوادثكم، من الأصنام وغيرها. {إِلَّا إِيَّاهُ}؛ أي: إلا الله تعالى، وحده، فإنّكم لا تذكرون سواه، ولا يخطر ببالكم غيره؛ لأنه القادر على إغاثتكم ونجاتكم.

وقرأ مجاهد، وأبو المتوكل (١): {ضل من يدعون} بالياء، والمعنى؛ أي: وإذا نالتكم شدّة جهد في البحر، ذهب عن خواطركم كل من تدعونه، وترجون نفعه من صنم، أو جن، أو ملك، أو بشر، أو حجر، فلا تذكرون إلا الله، ولا يخطر على بالكم سواه، لكشف ما حل بكم.

وخلاصة ذلك: أنكم مسّكم الضر دعوتم الله منيبين إليه، مخلصين له الدين {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ}؛ أي: أجاب دعاءكم، وأنجاكم من هول البحر وشدته، وأخرجكم {إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ}؛ أي: عن الإيمان والإخلاص، والطاعة، ورجعتم إلى عبادة الأوثان، وكفرتم النّعمة وهو قوله تعالى: {وَكانَ الْإِنْسانُ}؛ أي: جنس الإنسان {كَفُورًا}؛ أي: كثير الكفران للنعمة، ولم يقل (٢): وكنتم كفورا ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة، والمعنى: أي (٣) ومن عجيب أمركم أنكم حين دعوتموه، وأغاثكم، وأجاب دعاءكم، ونجّاكم من هول ما كنتم فيه في البحر، أعرضتم عن الإخلاص، ورجعتم إلى الإشراك به كفرا منكم بنعمته، ثمّ علل هذا الإعراض بقوله: {وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُورًا}؛ أي: وكانت سجية الإنسان وطبيعته أن ينسى النّعم ويجحدها إلا من عصمه الله تعالى.

وخلاصة ما سلف: أنكم حين الشدائد تجأرون طالبين رحمته، وحين الرخاء تعرضون عنه،

٦٨ - ثمّ حذر من كفران نعمته فقال: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ} و {الهمزة} فيه للاستفهام الإنكاري. و {الفاء} عاطفة على محذوف، والخطاب فيه للسابق ذكرهم، والتّقدير: أنجوتم فأمنتم أيها الناجون المعرضون


(١) زاد المسير.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.