للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية: أي والذين جحدوا توحيد الله، وكذّبوا رسوله - صلى الله عليه وسلم -، يتمتعون في هذه الدنيا بحطامها ورياشها وزينتها الفانية، ويأكلون فيها غير مفكرين في عواقبهم، ومنتهى أمورهم، ولا معتبرين بما نصب الله لخلقه في الآفاق والأنفس من الحجج المؤدِّية إلى معرفة توحيده، وصدق رسوله، فمثلهم مثل البهائم، تأكل في معالفها ومسارحها، وهي غافلة عمَّا هي بصدده من النحر والذبح، فكذلك هؤلاء يأكلون، ويتلذَّذون بمتاع الدنيا، وينتفعون به كأنهم أنعام، ليس لهم هَمٌّ إلا بطونهم وفروجهم، ساهون عن العاقبة، لاهون بما هم فيه، ونار جهنم مسكن ومأوى لهم، يصيرون إليها بعد مماتهم.

والخلاصة: أنّ المؤمنين عرفوا أنَّ نعيم الدنيا ظل زائل، فتركوا الشهوات، وتفرَّغوا للصالحات، فكانت عاقبتهم النعيم المقيم في مقام كريم، وإنّ الكافرين غفلوا عن ذلك، فرتعوا في الدمن كالبهائم، حتى ساقهم الخذلان إلى مقرهم من تلك النيران، أعاذنا الله منها.

فإن قلت (١): كيف التقابل بينه وبين قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ ....} إلخ.

قلت - والله أعلم -: الآية من قبيل الاحتباك، ذكر الأعمال الصالحة، ودخول الجنة أولًا، دليلًا على حذف الفاسدة، ودخول النار ثانيًا، وذكر التمتع والمثوى ثانيًا، دليلًا على حذف التمتع والمأوى أولًا.

قال القشيري: الأنعام تأكل بلا تمييز من أي موضع وجد، كذلك لا تمييز له، أمن الحلال وجد أم من الحرام، وكذلك الأنعام، ليس لها وقت، بل في كل وقت تقتات وتأكل، كذلك الكافر أكول، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمؤمن يأكل في معي واحد".

١٣ - وبعد أن ضرب لهم المثل بقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} ولم يعتبروا، وذكر لهم ما تقدّم من الأدلَّة على وحدانيته، ضرب المثل لنبيه تسلية له على ما يلاقي من عنت قومه وجحودهم، فقال: {وَكَأَيِّنْ} كلمة مركبة من الكاف وأيّ،


(١) روح البيان.