فإن الرجل إنما ينتظر الشيء، ويمد طرفه إليه مترقبًا في كل آن حضوره، إذا كان الشيء في غاية القرب منه.
وجملة قوله:{ما لَها مِنْ فَواقٍ} صفة ثانية لـ {صَيْحَةً}. وقرأ حمزة والكسائي:{مِنْ فَواقٍ} بضم الفاء. وقرأ الباقون: بفتحها. وهما لغتان فيه؛ أي: ما للصيحة من توقف وتأخر مقدار فواق إذا جاءت. ففي الكلام حذف، والفواق بالضم كغراب، ويفتح كما في «القاموس»: ما بين حلبتي الحالب من الزمن؛ لأن الناقة تحلب أولًا. ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل، لإدرار اللبن، ثم تحلب ثانية. يعني: إذا جاء وقت الصيحة، لم تستأخر هذا القدر من الزمان، كقوله تعالى:{فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً}. فالفواق: عبارة عن الزمان اليسير. وفي الحديث:«من اعتكف قدر فواق، فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل». وفي الحديث:«من قاتل في سبيل الله، فواق ناقة وجبت له الجنة».
١٦ - {وَقالُوا}؛ أي: قال كفار مكة بطريق الاستهزاء والسخرية عند سماعهم بتأخير عقابهم إلى الآخرة. والقائل (١): النضر بن الحرث بن علقمة بن كندة الخزاعي، وأضرابه، وكان النضر من شياطينهم، ونزل في شأنه في القرآن بضع عشرة آية، وهو الذي قال:{فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ}{رَبَّنا} وتصدير دعائهم بالنداء للإمعان في الاستهزاء، كأنهم يدعون ذلك بكمال الرغبة والابتهال. {عَجِّلْ لَنا}، أي: أسرع لنا {قِطَّنا}؛ أي: نصيبنا، وحظنا من العذاب {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ}؛ أي: قبل يوم المحاسبة، وهو يوم القيامة على ما زعمه محمد - صلى الله عليه وسلم -، والقط في الأصل: القطعة من الشيء، والمراد هنا: النصيب والحظ؛ لأنه قطعة من الشيء مفرزة، فالمعنى: عجّل لنا قسطنا، وحظنا، ونصيبنا من العذاب الذي توعدنا به محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا تؤخره إلى يوم الحساب الذي مبدؤه الصيحة المذكورة، ويقال لصيحة الجائزة أيضًا: قط؛ لأنها قطعة من القرطاس. فالمعنى عليه: عجّل لنا صحيفة أعمالنا لننظر فيها.