للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنكرها أبو حاتم وغيره.

٣٧ - {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ} التقييد لزيادة التقرير {مَرَحًا}؛ أي: ولا تمش - أيها الإنسان - متبخترًا متمايلًا كمشي الجبارين فتحتك الأرض التي لا تقدر على خرقها، بدوسك، وشدة وطئك لها، وفوقك الجبال التي لا تقدر على الوصول إليها، فأنت محوط بنوعين من الجماد أنت أضعف منهما، والضعيف المحصور لا يليق به التكبر، ولقد أحسن من قال:

ولا تمش فوق الأَرض إلّا تواضعًا ... فكم تحتها قومٌ هم منك أرفعُ

وإن كنت في عزٍّ وحرزٍ ومنعةٍ ... فكم مات من قومٍ هم منك أمنعُ

والمرح (١): قيل: هو شدة الفرح، وقيل: التكبر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره، وقيل: الخيلاء في المشي، وقيل: البطر، والأشر وقيل: النشاط، والظاهر: أنّ المراد به هنا الخيلاء والفخر، والمرح: مصدر وقع حالا، أي ذا مرح، وفي وضع المصدر موضع الصفة نوع تأكيد وذكر الأرض مع أن المشي لا يكون إلا عليها، أو على ما هو معتمد عليها تأكيدا، وتقريرا كما ذكرنا آنفًا.

وخلاصة ذلك (٢): تواضع ولا تتكبّر فإنك مخلوقٌ ضعيفٌ محصور بين حجارة وتراب، فلا تفعل فعل القوي المقتدر، ولا يخفى ما في الآية من التقريع، والتهكم، والزجر لمن اعتاد ذلك.

وقرأ الجمهور: {مَرَحًا} بفتح الراء على المصدر، وحكى يعقوب عن جماعة كسرها على أنه اسم فاعل، ثم علل سبحانه هذا النهي بقوله: {إِنَّكَ} أيها المرء {لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ}؛ أي: إنك لن تشق الأرض، ولن تثقبها بمشيك عليها، وشدة وطئك فيها تكبرا حتى تبلغ آخرها، وفيه تهكم بالمختال المتكبر.

{وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ} التي هي بعض أجزاء الأرض {طُولًا}؛ أي: في


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.