للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأنت أعظم وأجل، افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله، وخرج يونس ينتظر العذاب فلم ير شيئًا، هكذا ذكروا، والله أعلم بحقيقة الحال.

والخلاصة (١): أن قوم يونس لما آمنوا قبل وقوع العذاب بهم بالفعل، وكانوا علموا بقربه من خروج نبيهم .. صرفنا عنهم عذاب الذل والهوان في الدنيا، بعد ما أظلهم، وكاد ينزل بهم، ومتعناهم بمتاعها إلى زمن معلوم، وهو الوقت الذي يعيش فيه كل منهم بحسب سنن الله في استعداد بنيته ومعيشته. وفي ذلك تعريض بأهل مكة وإنذار لهم، وحضّ على أن يكونوا كقوم يونس الذين استحقوا العذاب بعنادهم، حتى إذا أنذرهم نبيهم بقرب وقوعه وخرج من بينهم، اعتبروا وآمنوا قبل اليأس، وقبل أن ينزل بهم البأس.

وقرأ أبي وعبد الله (٢): {فهلا}، وكذا في مصحفهما، وقال الزمخشري: وقرىء {إلا قوم يونس} بالرفع على البدل من قرية عن الحرمي والكسائي وتقدم الخلاف في قراءة يونس بضم النون وكسرها، وذكر جواز فتحها.

٩٩ - {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ} يا محمَّد إيمان أهل الأرض جميعًا {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ} بحيث لا يخرج منهم أحد، حال كونهم {جَمِيعًا}؛ أي: مجتمعين على الإيمان لا يتفرقون فيه، ولا يختلفون بأن يلجئهم إلى الإيمان قسرًا، أو يخلقهم مؤمنين طائعين كالملائكة لا استعداد في فطرتهم، لغير الإيمان, ولكنه لم يشأ ذلك لكونه مخالفًا للمصلحة التي أرادها الله سبحانه وتعالى، وجاء في معنى الآية قوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً}.

وخلاصة ذلك (٣): أنه لو شاء ربك أن لا يخلق الإنسان مستعدًّا بفطرته للخير والشر، والإيمان والكفر، ومرجحًا باختياره لأحد الأمور الممكنة، على ما يقابله بإرادته ومشيئته .. لفعل ذلك، ولكن اقتضت حكمته أن يخلقه هكذا، يوازن باختياره بين الإيمان والكفر، فيؤمن بعض ويكفر آخرون.


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.