للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نعيمها ولا يزول خيرها، وفي "المدارك" الوقف لازم عليه لأنّ جواب قوله: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} محذوف، والضمير للكفار؛ أي: لو علم الكفار أن الله تعالى يجمع لهؤلاء المهاجرين خير الدارين .. لوافقوهم في الدين، ويجوز (١) أن يعود إلى المهاجرين.

والمعنى: لو كان المهاجرون يعلمون ما أعدَّ الله لهم في الآخرة .. لزادوا في الجد والاجتهاد والصبر على ما أصابهم من أذى المشركين.

٤٢ - هؤلاء المهاجرون هم {الَّذِينَ صَبَرُوا} على أذية الكفار، ومفارقة الأهل والوطن، وعلى المجاهدة وبذل الأموال والأنفس في سبيل الله {وَعَلَى رَبِّهِمْ} خاصة {يَتَوَكَّلُونَ}؛ أي: يعتمدون في أمورهم، منقطعين إليه، معرضين عما سواه، مفوضين الأمر كله إليه تعالى، والتعبير (٢) بصيغة المضارع لاستحضار صورة توكلهم البديعة، وجملة التوكل معطوفة على الصلة أو في محل النصب على الحال.

والمعنى: أي (٣) هؤلاء هم الذين صبروا على ما نالهم من أذى قومهم ولم يرجعوا القهقرى، وعلى مفارقة الوطن المحبوب، لا سيما حرم الله المحبوب لكل قلب مؤمن، فكيف لمن كان مسقط رأسه، وعلى بذل الروح في ذات الله، وعلى احتمال الغربة بين ناس لم تجمعهم بهم ألفة نسبٍ ولا جوارٍ في دار، وقد فوضوا أمرهم إلى ربهم الذي أحسن لهم العاقبة في الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن كل ما سواه.

٤٣ - وسبب قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ}؛ لأن مشركي قريش لما بلَّغهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الرسالة، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى .. أنكروا ذلك، وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، ولو أراد أن يبعث إلينا رسولًا .. لبعث من الملائكة الذين عنده، فنزل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} يا محمَّد إلى الأمم الماضية رسلًا للدعوة إلى توحيدنا، {إِلَّا رِجَالًا}؛ أي: إلا ذكورًا بالغين آدميين لا نساءً، إذ مبنى أحوالهن على الستر، والنبوة تقتضي الظهور، ولا صبيانًا لعدم


(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.