للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن جوع، والمراد بالعيون الأنهار، وبالفواكه ما يتفكّه به مما تطلبه أنفسهم

وتستدعيه شهواتهم.

والحاصل: أنهم مستقرّون في فنون الترفّه وأنواع التنعم خلاف مما عليه مخالفوهم.

والمعنى (١): أي إنّ المتقين في ظلال ظليلة وكن كنين وعيون عذبة وأنهار جارية، فلا يصيبهم أذى حرٍّ ولا قرٍّ، بخلاف الكافرين، فإنهم في ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل، ولا يغني من اللهب، كما تقدم، ولديهم فواكه يأكلون منها كلّما اشتهت نفوسهم، لا يخافون ضرَّها ولا عاقبة مكروهها.

٤٣ - وجملة قوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)} في الدنيا، مقدّرة بقول هو حال من ضمير المتقين في الخبر؛ أي: مقولًا لهم: كلوا أيّها الأبرار من نعم الجنة وثمراتها، واشربوا من مائها، وشرابها كلّما شئتم أكلًا وشربًا هنيئًا سائغًا رافهًا خالص اللذة، لا يشوبه سقم ولا تخم، ولا يكدّره تنغيص، وهو دائم لا يزول، ولا يورثكم أذًى في أبدانكم بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة خصوصًا الصيام كما مرّ في الحاقّة. وهذا أمر إكرام إظهارًا للرضى عنهم والمحبّة لهم. تمسّك (٢) القائلون بإيجاب العمل للثواب بالباء السببية، والجواب: أنّ السببية إنما هي بفضل الله سبحانه ووعده الذي لا يخلف لا بالذات بحيث يمتنع عدمه أو يوجب النقص أو الظلم.

٤٤ - {إِنَّا كَذَلِكَ} الجزاء العظيم {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} لطاعتنا بالإخلاص في عقائدهم وأعمالهم لا جزاء أدنى منه.

والمعنى: أي إنّا كما جزينا هؤلاء المتقين بما وصفنا من الجزاء على طاعتهم إيانا في الدنيا نجزي أهل الإحسان والإخلاص لطاعتهم وعبادتهم لنا، فلا نضيع لهم أجرًا كما قال: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}.

٤٥ - {وَيْلٌ}؛ أي: حسرةٌ وندامةٌ {يَوْمَئِذٍ}؛ أي: يوم إذ جوزي المتقون بما ذكر من الجزاء الأوفى {لِلْمُكَذِّبِينَ} بما أخبر الله تعالى به في كتابه من تكريم هؤلاء المتقين


(١) المراغي.
(٢) روح البيان.