على تقدير أنهم رجعوا إلى الدنيا بعد مشاهدتهم للبعث، ويجوز أن تكون جملة {وَقَالُوا} مستأنفة؛ أي: وقال كفار مكة {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}؛ أي: ما حياتنا إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها {وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} بعد أن فارقنا هذه الحياة، وليس لنا بعد هذه الحياة ثواب ولا عقاب.
٣٠ - {وَلَوْ تَرَى} وتبصر يا محمَّد {إِذْ وُقِفُوا} وحبسوا {عَلَى رَبِّهِمْ}؛ أي: عند ربهم لأجل السؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده للعقاب .. لرأيت أمرًا فظيعًا، أو المعنى: وقفوا على جزاء ربهم؛ أي: على ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين، وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخرة، والمعنى: ولو ترى هؤلاء الضالين المكذبين حين تقفهم الملائكة في الموقف الذي يحاسبهم فيه ربهم، ويمسكونهم إلى أن يحكم الله فيهم بما يشاء .. لأفظعك أمرهم، واستبشعت منظرهم، ورأيت ما لا يحيط به وصف، وجعلهم موقوفين على ربهم؛ لأن من تقفهم الملائكة وتحبسهم في موقف الحساب إمتثالًا لأمر الله فيهم، كما قال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (٢٤)} يكون أمرهم مقصورًا عليه تعالى، لا يتصرف فيهم غيره، كما قال: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)}.
{قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ}؛ أي: يقول لهم ربهم حينئذ: أليس هذا الذي أنتم فيه من البعث هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب لا باطل كما تزعمون، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ. {قَالُوا} جوابًا للرب جل جلاله {بَلَى} هو حق لا يحوم حوله الباطل، أقسمنا لك {وَرَبِّنَا} وهذا إقرار مؤكد باليمين؛ لانجلاء الأمر غاية الانجلاء، وهم يطمعون في نفع ذلك الإقرار، وينكرون الإشراك فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين. {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ}؛ أي: يقول لهم الرب سبحانه وتعالى: إذا كان الأمر كما اعترفتم .. فذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون. {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}؛ أي: بسبب كفركم وجحدكم في الدنيا بالبعث بعد الموت الذي دأبتم عليه، واتخذتموه شعارًا لكم لا تتركونه. وعبَّر بالذوق عن ألم العذاب للإشارة إلى أنهم يجدونه وجدان الذائق في قوة الإحساس به.
٣١ - {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ}؛ أي: قد خسر أولئك الكفار الذين كذبوا