للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

٦٣ - {فَلَمَّا رَجَعُوا}؛ أي: فلما رجع إخوة يوسف غير شمعون من مصر {إِلَى أَبِيهِمْ} في كنعان {قَالُوا} لأبيهم قبل أن يشتغلوا بفتح المتاع: {يَاأَبَانَا} إنا قدمنا على خير رجل، أنزلنا وأكرمنا كرامة عظيمة، لو كان رجلًا من أولاد يعقوب ما أكرمنا كرامته، فقال لهم يعقوب عليه السلام: إذا رجعتم إلى ملك مصر فاقرؤوا عليه مني السلام، وقولوا له: إن أبانا يصلي عليك، ويدعو لك بما أوليتنا، ثم قال لهم: أين شمعون؟ قالوا: ارتهنه ملك مصر عنده، وأخبروه بالقصة، ثم قالوا: يا أبانا {مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ}؛ أي: ميرة الطعام وكيله من مصر؛ أي: حكم ملك مصر بأنه سيمنع منا الكيل والميرة في المستقبل بعد هذه المرة إن لم نذهب إليه معنا بأخينا بنيامين، وهو إشارة إلى قول يوسف: {فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (٦٠)}. والمراد بالكيل هنا: الطعام لأنه يكال، وفي هذه الجملة دلالة على أن الامتيار مرة بعد مرة معهود فيما بينهم وبينه عليه السلام. ثم ذكروا له ما أمرهم به، فقالوا: {فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا} بنيامين إلى مصر. وفيه إيذان بأن مدار المنع عدم كونه معهم إن أرسلته معنا {نَكْتَلْ} بسببه، ونأخذ من الطعام ما نحتاج إليه بقدر عددنا، ونكون قد وفينا له ما شرط علينا، والعرب تقول: كِلْتَ له الطعام، إذا أعطيته، واكتلت منه وعليه، إذا أخذت منه، أو توليت الكيل بنفسك {وَإِنَّا لَهُ}؛ أي: لأخينا بنيامين {لَحَافِظُونَ} في ذهابه وإيابه من أن يصيبه سوء أو مكروه، ضامنون برده إليك، وكأنهم (١) كانوا يعتقدون أن أباهم لا بد أن يرفض إجابتهم خوفًا عليه من أن يحدث مثل ما حدث ليوسف عليه السلام بدافع الحسد من قبل، فكان جوابه لهم ما حكى الله سبحانه عنه بقوله: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ}.

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر (٢): {نَكْتَلْ} - بالنون -؛ أي: إن أرسلته معنا اكتلنا نحن، وإلا فقد منع منا الكيل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر: {يكتل} - بالياء -؛ أي: إن أرسلته معنا يكتل أخونا


(١) زاد المسير.
(٢) الشوكاني.